الدكروري يكتب عن ويحذركم الله نفسه
الدكروري يكتب عن ويحذركم الله نفسه
بقلم / محمــــد الدكـــروري
إن هذا الجيل الذي صده عن السبيل الاستكبار, وعلاه الغرور, وأسكره الترف, وجعل كتاب ربه وراءه ظهريا بحاجة ماسة إلى أن يعرف ربه حقا، ويعظمه صدقا, بتدبر أسماء الله الحسنى، والتأمل في آياته، والتفكر في إعجازه، فمن استيقن قلبه هذه المعاني لا يرهب غير الله، ولا يخاف سواه، ولا يرجو غيره، ولا يتحاكم إلا له، ولا يذل إلا لعظمته، ولا يحب غيره، أما الذين يهجرون القرآن, ويرتكبون المحرمات, ويفرطون في الطاعات، ويتحاكمون إلى شرع غير شرع الله فما قدروا الله حق قدره، والذين يسخرون من الدين، ويحاربون أولياء الله, ويستهزئون بسنة سيد البشر, ما قدروا الله حق قدره، من شهد قلبه عظمة الله وكبرياءه علم شأن تحذيره عز وجل في قوله تعالي ” ويحذركم الله نفسه” وقال المفسرون “أي فخافوه واخشوه”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لعن الله الواصلة والمستوصلة” رواه البخاري ومسلم، والواصلة هي التي تصل الشعر بغيره، والمستوصلة هي التي تطلب فعل ذلك، فالزور وصف للشيء على خلاف ما هو عليه فعلا، عن طريق تسويته وتحسينه، ليحسب أنه صدق، ولقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن شهادة الزوركبيرة من الكبائر، فقال الإمام القرطبى “شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل، من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام، أو تحريم حلال، فلا شيء من الكبائر أعظم ضررا منها، ولا أكثر فسادا بعد الشرك بالله” وشاهد الزور قد ارتكب عظائم كثيرة، منها الكذب والافتراء، فقال الله تعالى فى كتابه العزيز ” إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب”
وإن من علا مات المنافق أنه إذا حدث كذب، وأنه بشهادة الزور قد ظلم المشهود ضده، حيث اعتدى بشهادته على ماله، أو عرضه، وربما على روحه، وأيضا ظلم المشهود له، حيث ساق ليه المال الحرام، فأخذه بشهادته، فوجبت له النار، وقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “من قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها” رواه البخارى، وأيضا أباح ما حرم الله تعالى من عصمة المال والدم والعرض، ولذلك كانت عقوبة شاهد الزور في الإسلام شديدة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور” فما زال يكررها، حتى قلنا ليته سكت” رواه البخارى.
ولقد شدد الإسلام في تحريم شهادة الزور أيما تشديد، حتى قرنت في القرآن الكريم بالشرك بالله، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به” وقال القرطبى”هذه الآية تضمنت الوعيد على الشهادة بالزور، وينبغى للحاكم إذا عثر على الشاهد بالزور أن يعزره، وينادى عليه ليعرف، لئلا يغتر بشهادته احد، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “عدلت شهادة الزور الشرك بالله، وقرأ “واجتنبوا قول الزور” فالشهادة إذا تحولت عن وظيفتها، صارت سندا للباطل، ومضللة للقضاة، فيستعان بها على الظلم، ويقع الحكم بغير حق، ومن ثم رفضت شهادة من عرف بسوء خلق.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذي غِمر أى حقد، على أخيه” رواه أبى داود، بل بلغ التشديد حد المنع من مجرد حضور الجمع الذي يشهد فيه بالزور، ومخالطة من يعرفون به، فقال أبو حيان في قول الله تعالى “لا يشهدون الزور ” وقيل أن المعنى هو لا يحضرون الزور، ويعضده ما ذهب إليه ابن كثير في قول الله تعالى ” وإذا مروا باللغو مروا كراما” فقال “أى لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به، مروا ولم يتدنسوا منه بشيء” فكيف بهذا الزمان الذى يشهد فيه الناس دون أن تطلب شهادتهم، استسهالا لها، وتهوينا من شأنها.
الدكروري يكتب عن ويحذركم الله نفسه