الدكروري يكتب عن الليلة الأولى في القبر
الدكروري يكتب عن الليلة الأولى في القبر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
روى عن الصحابي الجليل والخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجو منه فما بعده أشد منه ” رواه الترمذي، وان المعني فما بعده أي من المنازل أيسر منه أي أسهل وأهون لأنه يفسح للناجي من عذاب القبر في قبره مد بصره, وينور له, ويفرش له من بسط الجنة, ويلبس من حللها, ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها, وكل هذه الأمور مقدمة لتيسير بقية منازل الآخرة, وإن لم ينجو منه أي لم يخلص من عذاب القبر, ولم يكفر ذنوبه, وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب به فما بعده أشد منه لأن النار أشد العذاب, فلا إله إلا الله كيف تكون الليلة الأولى في القبر لمن عصى الله تعالى وغفل عنه.
فلم يستعد بالأعمال الصالحة وحيدا فريدا لا أنيس ولا جليس لا زوجة ولا أطفال ولا أصدقاء ولا أحباب ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين وقال الله تعالى في سورة الأنعام ” ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وظل عنكم ما كنتم تزعمون” فيا مدبرا عن المساجد ما عرف الصلاة، ويا معرضا عن الله تعالى ويا منتهكا لحدود حرمها الله، ويا ناشئا في معاصي الله ويا غافلا عن طاعة الله ، تذكر القبر وظلمته وتذكر الأكفان والحنوط إذا وضعن عليك وحملت على الأكتاف وأدخلت التراب وتذكر الصراط وزلته، والموقف وكربته والحساب وشدته، وهذا ميمون ابن مهران رحمه الله يقول.
خرجت مع عمر ابن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى طويلا ثم أقبل علي فقال يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية كأنه لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم وعيشهم ،أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلى وأصابت الهوام في أبدانهم مقيلا ثم غشي عليه فلما أفاق قال انطلق بنا فو الله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله فصار إلى ما ترى، وقيل أن الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى، حفر قبرا داخل بيته، فكان إذا مالت نفسه للدنيا وقسا قلبه نزل في قبره، وإذا ما رأى ظلمة القبر ووحشته صاح ” رب ارجعون” فيسمعه أهله فيفتحون له، وفي ليلة نزل قبره وتغطى بغطائه، فلما استوحش داخله نادى ” رب ارجعون” فلم يسمع له أحد، وبعد زمن طويل سمعته زوجته، فأسرعت إليه وأخرجته.
فقال عند خروجه اعمل يا ربيع قبل أن تقول ” رب ارجعون” فلا يجيبك أحد، فإن العبد ليفرح حينما تأتيه الحسنات تلو الحسنات، وهو في قبره، من قريب أو صديق، أو من ثواب علم خلفه، أو صدقة أقامها، ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هناك صنفا من الناس تجري عليهم أجورهم بعد موتهم، حيث روى أبو أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت، من مات مرابطا في سبيل الله، ومن علم علما أجري له عمله ما عُمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وُجدت، ورجل ترك ولدا صالحا فهو يدعو له” فهؤلاء ماتوا ولكن لم تمت حسناتهم من بعدهم فهنيئا لهم على ما قدموا.