المقالات
الدكروري يكتب عن القيروان والمسجد الأعظم
الدكروري يكتب عن القيروان والمسجد الأعظم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد شرع القائد الفاتح عقبة
بن نافع في بناء القيروان في سنة خمسين للهجرة، وابتدأ بتخطيط دار الإمارة، ثم عمد إلى موضع المسجد الأعظم فاختطه، ولكنه لم يحدث فيه بناء، ويذكر ابن عذارى المراكشى أنه كان يصلى فى موضع هذا الجامع قبل أن يقوم ببنائه، فاختلف الناس عليه في القبلة، وقالوا إن جميع أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد، فأجهد نفسك في تقويمها فأقاموا أياما ينظرون إلى مطالع الشتاء والصيف، من النجوم ومشارق الشمس، فلما رأى أمرهم قد اختلف، بات مغموما، فدعا الله عز وجل أن يفرج عنه، فأتاه آت فى منامه، فقال له إذا أصبحت فخذ هذا اللواء في يدك، واجعله على عنقك، فإنك تسمع بين يديك تكبيرا لا يسمعه أحد من المسلمين غيرك فانظر الموضع الذى ينقطع عنك فيه التكبير، فهو قبلتك ومحرابك.
وقد رضى الله لك أمر هذا العسكر وهذا المسجد وهذه المدينة، وسوف يعز الله بها دينه، ويذل بها من كفر به، فاستيقظ من منامه، وهو جزع، فتوضأ للصلاة، وأخذ يصلى وهو فى المسجد ومعه أشراف الناس، فلما انفجر الصبح، وصلى ركعتى الصبح بالمسلمين، وإذا بالتكبير بين يديه، فقال لمن حوله أتسمعون ما أسمع؟ فقالوا لا، فعلم أن الأمر من عند الله تعالى، فأخذ اللواء فوضعه على عنقه، وأقبل يتبع التكبير حتى وصل إلى موضع المحراب فانقطع التكبير، فركز لواءه وقال هذا محرابكم، فاقتدى به سائر مساجد المدينة، ومنذ ذلك العهد أصبحت قبلة جامع القيروان موضع إجلال الناس وتعظيمهم، فلم يتعرض لها أحد الأمراء بسوء في الزيادات المتتالية التى أجريت بالجامع عامة وببيت الصلاة خاصة.
ولم يتغير موضع القبلة حتى يومنا هذا لشرف انتمائها إلى التابعى عقبة بن نافع الذى أورث اسمه الجامع، فصار يعرف بجامع سيدى عقبة، ولم يكن هذا المسجد أول الأمر إلا مساحة مسورة بسور سميك من اللبِن على هيئة حصن، وليست لدينا فكرة عن بيت صلاته، فهو يماثل المساجد الأولى فقد كان بسيط البناء، صغير المساحة، ويغلب الظن أن أسقفه كانت تقوم مباشرة على الأعمدة دون أن تحملها عقود، ولم تلبث المدينة أن عمرت بعد تخطيط الجامع بالدور ومختلف الأبنية والمساجد، وشد الناس إليها الرحال، وعظم قدرها، وتحقق الرجاء من بنائها وأصبحت بحق قاعدة للمسلمين في بلاد المغرب، كانت القيروان فى وسط الصحراء ولم يمنعها انعزالها هذا من أن تنمو وتكبر، وإذا كان عقبة بن نافع قد عُزل عنها فترة من الزمن فإنها استعادت عظمتها بعودته.
وكان ذلك عام واحد وستين من الهجرة وظلت ما يقرب من أربعمائة عام على رأس مدن إفريقية والمغرب، وكان لها سور له أربعة عشر بابا، وكانت سوقها متصلة بالمسجد من جهة القبلة وممتدة إلى باب يعرف باسم باب الربيع، وذكر البكرى أنه كان لهذه السوق سطح متصلة به جميع المتاجر والصناعات وأن هذا السطح قد تعرض لبعض التهدم، وأمر هشام بن عبد الملك بترميمه عام مائه وخمسة من الهجرة، وإن القيروان اكتسبت نوعا من الاحترام والتعظيم باعتبارها البلد الذى أسسه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهر بها على أيديهم كثير من الكرامات، واستقر بها بعضهم مدة من الزمن، وهي آخر ما دخله الصحابة من بلاد المغرب، فكل هذه الأمور هيأت القيروان لدور الريادة العلمية فى إفريقية والمغرب حتى وصفها أبو إسحاق الجبنيانى بقوله القيروان رأس وما سواها جسد، وما قام برد الشبه والبدع إلا أهلها ولا قاتل ولا قتل على أحياء السنة إلا أئمتها.
الدكروري يكتب عن القيروان والمسجد الأعظم