الدكروري يكتب عن الخلافات في الدولة الراشدة
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
لقد خلع الإمام علي بن أبى طالب عند توليه الخلافة معظم ولاة عثمان بن عفان، ورغم أنه ولى عمالا من أقاربه مثلما فعل الخليفة عثمان بن عفان، إلا أنه حاسبهم بصرامة عندما ارتكبوا التجاوزات، مثل عبد الله بن عباس الذي عزله عن البصرة، وقد انقسمت دولة الخلافة الراشدة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق إلى سبع ولايات، وهي الحجاز ونجد والبحرين وعمان واليمن مع حضرموت والعراق والشام، وكانت المدينة عاصمة الدولة التي تخضع لإدارة الخليفة المباشرة، فإن تغيب لسبب ما ولى أحدا مكانه عليها إلى حين عودته، وكان تقسيم الدولة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق أشبه بامتداد للتقسيم الذي تم العمل به في العهد النبوي، لكن الدولة اتَسعت اتساعا كبيرا في عهد عمر بن الخطاب حتى شملت الكثير من البلاد الجديدة.
وكان سكان هذه البلاد من الشعوب المتحضرة المتطورة، فأخذ العرب عنهم وسائلهم في التقسيم الإداري، ويعد عمر بن الخطاب أول من وضع نظام تقسيم إدارى متطور للدولة الإسلامية، وانقسمت فارس في عهد الدولة الراشدة إلى ثلاثة ولايات، والعراق إلى ولايتين وهما البصرة والكوفة، والشام إلى ولايتين وهما دمشق وحمص، وفلسطين ولاية مستقلة، وشمال أفريقيا إلى ثلاث ولايات، ولم يشهد عهد الخليفة عثمان بن عفان ولا الخليفة علي بن أبى طالب لاحقا تغيرات أو تطورات إدارية ذات شأن بعد ما أنجزه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حيث قام عمر بن الخطاب خلال فترة توليه الخلافة بتوحيد اليمن تحت حكم والى واحد، وأما بلاد الشام فقد عاملها كمقاطعات عسكرية مؤقتة.
حيث قسمت بين فاتحيها إلى خمسة أقسام سُميت أجنادا، وكانت هذه الأجناد هي جند دمشق وجند حمص وجند قنسرين وجند الأردن وجند فلسطين ولم يُستعمل تقسيم الأجناد هذا في أي ولاية أخرى من ولايات الدولة، وكانت بعض هذه الأجناد تجمع أحيانا تحت إدارة والى واحد، حيث ضُمت على سبيل المثال قنسرين وحمص معا إلى معاوية بن أبي سفيان عام واحد وثلاثين من الهجرة وبعدها جند فلسطين، وكذلك كانت اليمن تقسم أحيانا إلى ولايتين فيتبع قسم منها صنعاء والآخر الجند، وأحيانا أخرى توحد ضمن ولاية واحدة، وقد تفاوت الخلفاء الراشدون في منهج تطبيقهم للشورى وتعاملهم مع السياسة، فكان الخليفة أبو بكر الصديق على سبيل المثال يستشير ثم يقرر.
فيما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يستشير ثم ينفذ ولم يكن مجلس الشورى في عصر الراشدين يتألف من عدد محدد من الناس، ولم تكن آراء أهل الشورى ملزمة للخليفة، ولم تكن تتخذ القرارات فيه بالأغلبية أو بالجماعة، بل كان البت الأخير في الأمر للخليفة نفسه، وقد اعتمد الخليفة أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان بصورة كبيرة على الشورى، فكانت لها آثار إيجابية كبيرة خلال فترات حكمهم، وساعدت على اتخاذ وتسوية القرارات والخلافات، في تدبير شؤون الدولة، لكن من جهة أخرى، اختلفت هذه الحال في عهد الإمام علي بن أبى طالب، ففي بداية حكمه كان يستشير صحابة المدينة مثل باقي الراشدين، وكانت أمور الشورى تسير جيدا.
إلا أنه بعد انتقاله إلى الكوفة لم يكن حوله من يعتمد عليه من الصحابة، فقد أصبح معظم من حوله من جيل التابعين الأقل منزلة، فخسرت الشورى نتائجها المرجوة التي حققتها في عهد من سبقوه من الخلفاء، ورغم أن الشورى استمرت في الدولة الإسلامية بعد انقضاء عهد الراشدين، فإنها لم تكتسب قط الأهمية والقوة التي اكتسبتها في عهدهم.