المقالات
الدكروري يكتب عن وقالوا مجنون وازدجر
الدكروري يكتب عن وقالوا مجنون وازدجر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن قوم نبي الله نوح عليه السلام قد اتهموه بالجنون كما ورد في سورة المؤمنون ” إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين ” ويقول الله تعالى في سورة القمر ” كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر” واتهموه بالكذب كما في قوله تعالى فى سورة هود ” فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أرازلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ” وسخروا منه، كما في قوله تعالى فى سورة هود ” ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ” فكان هذا بعض ما فعله وقاله الملأ، ولكن لماذا الملأ هم أعداء الرسل والرسالات؟ والجواب قاله المفسرون وهو أن الملأ هم الكبراء والسادة الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء.
وهم الذين يملؤون صدور المجالس، وتمتلئ القلوب من هيبتهم، وتمتلئ الأبصار من رؤيتهم، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، وهذه الصفات لا تحصل إلا في الرؤساء، وذلك يدل على أن المراد من الملأ الرؤساء والأكابر، ولما اتهموه بالضلال قال ” ليس بى ضلالة ” وما أعظم هذا الرد، وما أبلغه، ويقول الرازي، فكان هذا أبلغ في عموم السلب، ثم إنه ولما نفى عن نفسه العيب الذي وصفوه به، ووصف نفسه بأشرف الصفات وأجلها، وهو كونه رسولا إلى الخلق من رب العالمين، فذكر المقصود من الرسالة، وهو التبليغ والنصيحة فقال ” أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم” والفرق بين تبليغ الرسالة وبين النصيحة، هو أن تبليغ الرسالة معناه أن يعرفهم أنواع تكاليف الله وأقسام أوامره ونواهيه.
وأما النصيحة، فهي أن يرغبه في الطاعة، ويحذره من المعصية، ويسعى في تقرير ذلك بالترغيب والترهيب بأبلغ الوجوه، وهؤلاء الملأ من علية القوم وصفوة المجتمع، أصحاب المصالح، أعداء الإصلاح، اتهموا نبى الله نوح عليه السلام بأنه ما اتبعه إلا الفقراء والعوام وأصحاب الحرف، وطلبوا منه أن يطردهم، ليكون المجلس مجلس الملأ، فهم الذين يملؤون القلوب هيبة، والمجالس أبهة، ولا يليق أن يجالسهم الأراذل، ويقول الرازي، طعنوا في نبوته بثلاثة أنواع من الشبهات، فالأولى أنه بشر، والثانية كونه ما اتبعه إلا أراذل من القوم كالحياكة وأهل الصنائع، وقالوا ولو كنت صادقا، لاتبعك الأكياس من الناس والأشراف منهم، ونظيره فقال تعالى فى سورة الشعراء ” قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرزلون “
وأما عن الشبهة الثالثة وهى لا نرى لكم علينا من فضل لا في العقل، ولا في رعاية المصالح العاجلة، ولا في قوة الجدل، وأما الرد على هذه الاتهامات وتلك الشبهات، فقد سجله القرآن الكريم، وكان لما دعا نوح قومه إلى عبادة الله وحده، وخوفهم عذابه وانتقامه، واتهموه بالضلال، فنفى عن نفسه الضلال، وأخبرهم أنه مُبلغ عن الله تعالى، وأنه ناصح لهم، ثم نتأمل الترتيب في قوله تعالى وهو يخاطبهم فى سورة الأعراف ” أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولعلكم ترحمون” ويقول الرازي رحمه الله، ولقد بين الله تعالى ما لأجله يبعث الرسول، فقال تعالى ” لينذركم ” وما لأجله ينذر، فقال ” وليتقوا ” وما لأجله يتقون، فقال تعالى ” ولعلكم ترحمون ” وهذا الترتيب في غاية الحسن.
الدكروري يكتب عن وقالوا مجنون وازدجر