المقالات
الدكروري يكتب عن وسيدا وحصورا
الدكروري يكتب عن وسيدا وحصورا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان نبي الله يحيى وعيسى عليهما السلام ابني خالة، حتى قيل إن أم يحيى كانت تقول لمريم إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك، لعلها رؤيا رأتها، يعني حتى أن تصديق يحيى بعيسى وهو جنين، ويحيى سيد قال تعالى ” وسيدا وحصورا” أى وسيدا وحكيما تقيا، وسيدا في العلم والعبادة، وسيدا في الفقه والعلم، كريما على الله تعالى من فضلاء الرسل، وكرامهم، فهو معصوم من الذنوب والشهوات، وليس معناه أن فيه نقص وعيب، كما قال بعضهم أنه لا آلة له، وهذا كلام لا يليق، ونقص وعيب، وإنما المقصود بقوله وحصورا، بمعنى ليس به شهوة للنساء، ولا يأتيه الحرام من هذه الجهة، وهو بعيد عن آثام الشهوات، ومطهر ومبرأ من آثار الشهوات، فهو حصور لا تشغله شهوات النساء عن الآخرة.
ولا عن العبادة، وهو مكفي من هذه الجهة، وليس له ميل إليها، وهكذا فإن هذه القصة العظيمة فيها فوائد كثيرة، ومنها آداب للدعاء مثل إخفاء الدعاء، وقد قال الله تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ” وكان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت ما كانت إلا همسا بينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى للدعاء، وإذا الناس في القنوت إذا دعا الإمام قال آمين، هذا ليس دعاء خفيا، كذلك الأئمة الذين يصرخون في الدعاء، يكون في التلاوة يمشي الهوينة، وإذا جاء الدعاء صراخ في المسجد، وزعيق هو والمأمومين كلهم صياح، هذا ليس من آداب الدعاء، لذلك قال تعالى” ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين “
ونبى الله زكريا نادى ربه نداء خفيا وبعض المأمومين في صلاة القنوت يتحمس، ويصيح بآمين، وربما يزيد من عنده أدعية، فيمكن الإمام يدعو على الكفار، ولكن بعض الناس فعلا لا يملكون أمرهم، ولا يتفطن لآداب الدعاء، ويحولها إلى خطبة، ولذلك ينبغي خفض الصوت بالدعاء، لأنه أعظم في الأدب والتعظيم عند الملوك ألا ترفع الأصوات عندهم، ومن رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى، فإذا كان يسمع الدعاء الخفي، فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به، وهو أبلغ في الخشوع، وهو روح الدعاء، ولبه، ومقصوده، والخاشع الذليل يسأل مسألة المسكين الذي انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته، حتى إن لسانه لا يكاد يطاوعه بالنطق، وقلبه يسأل مبتهلا، وصوته خفيض.
وكذلك فإنه أبلغ في الإخلاص، وليس معنى هذا طبعا أن الإمام لا يسمع المأمومين، يسمع المأمومين لكن لا يصيح، لا هو ولا المأمومون، والإنسان إذا دعا في نفسه أيضا يدعو دعاء خفيا، يدعو دعاء لا يكاد يسمع إلا همسا، وهو أقرب إلى الإخلاص، وكذلك في فائدة جيدة للغاية في الدعاء بالصوت الخفيض، وهو يقين العبد أن الله تعالى يسمع مع أن الله عز وجل على عرشه، وهذا في الأرض يدعو، فإذا دعا بصوت خفيض هذا زيادة وأبلغ في إيمانه، أن الله تعالى يسمعه مع أنه على عرشه في السماء، ولكنه قريب منه يسمعه، ولو كان يهمس همسا، فلما استحضر القلب قرب الرب همس، وصار النداء خفيا، وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم للصحابة لما رفعوا أصواتهم بالتكبير في السفر “اربعوا على أنفسكم” يعني خفضوا الصوت، هونوا هونا أما إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ” إنكم تدعون سميعا قريبا “رواه البخاري ومسلم.
الدكروري يكتب عن وسيدا وحصورا