العالم إلى أين في عام 2024؟
(حرب غزة)
لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة. / عادل شلبى
استعرضت في مقالي، في الأسبوع الماضي، موقف الحرب الروسية الأوكرانية، التي أوشكت أن تبدأ عامها الثالث، بعد بضعة أيام، موضحاً تأثيرها على مختلف دول العالم، وذلك ضمن سلسلة من المقالات، سأتناول فيها ما يمر بالعالم من أحداث، بدأت من قبل، مع استقراء لتوقعاتها خلال عام 2024.
ولمقال اليوم، قررت تناول الوضع في غزة، والذي تغير، عما كان عليه، بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس، على قوات الاحتلال الإسرائيلي، يوم 7 أكتوبر 2023. إذ لم يتوقع أحد، حينئذ، أن تدوم تلك الحرب لأكثر من أسابيع قليلة، كما لم يتوقع أحد، أن تبلي المقاومة الفلسطينية ذلك البلاء العسكري المتميز، الذي تابعناه، حيث نجحت حركة حماس، في الأيام الأولى من الحرب، في الاستيلاء على ثلاث مستوطنات، وأسر نحو 250 رهينة من المدنيين الإسرائيليين، فضلاً عن أسر عدد من قوات الجيش الإسرائيلي. ونجحت حماس كذلك، في تخطي منظومة القبة الحديدية والسور الحديدي، ووصلت صواريخها إلى العاصمة الإسرائيلية، تل أبيب، ومطار بن جوريون، الذي توقفت فيه الملاحة الجوية لعدة أيام.
وكما أعلنت إسرائيل، فإن حربها على غزة، تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف، واليوم ونحن على بُعد أيام من بدء الشهر الرابع للقتال، فإن إسرائيل لم تنجح في تحقيق أي من تلك الأهداف التي حددتها، وكان أولها تحرير الرهائن بقوة السلاح، وثانيها القضاء على حماس، أما ثالث الأهداف المعلنة فكان احتلال غزة. ومن الواضح فشلها في تحقيق الهدفين الثاني والثالث، بدليل استمرار الحرب حتى يومنا هذا، أما الهدف الأول، فلم يتحقق إلا جزئياً، ومن خلال هدنة، وصفقة لتبادل عدد من الرهائن، مقابل إطلاق سراح فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
والحقيقة أن تلك الحرب قد كشفت معاناة القوات الإسرائيلية، خاصة في حرب المدن، التي تعتبر أسوأ وأصعب أنواع الحروب، مع وجود الأنفاق التي أعدتها حماس خلال الأعوام السابقة، بأطوال تصل إلى 500 كيلومترات، شكلت عائقاً أمام القوات الإسرائيلية، وكبدتها أكبر خسائر بشرية في تاريخ حروبها. كما أثبتت الحرب ضعف عناصر الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة؛ الموساد والشاباك والمخابرات الحربية، والتي فشلت، جميعها، في الحصول على معلومات عن شبكة الأنفاق، أو توقيت هجوم حماس، أو معلومات عن شراء حماس للطائرات الشراعية، التي هاجمت بها المستوطنات، ولا عن التدريبات التي تمت قبل الهجوم يوم 7 أكتوبر الماضي.
وأمام كل ذلك، فمن المتوقع، والمنتظر، بعد نهاية الحرب، أن يستدعى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وقادة الاستخبارات الإسرائيلية الثلاث، للمساءلة، والتحقيق، الذي سيؤدي لعزلهم جميعاً، فضلاً عما سيواجه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحكومته، من محاسبة، عن التقصير في تلك الحرب من ناحية، وعن قضايا الفساد التي تنتظره في المحاكم الإسرائيلية المدنية، من ناحية أخرى.
ورغم تدمير إسرائيل لنحو 60% من مساكن قطاع غزة، علاوة على تدمير بنيتها الأساسية، سواء محطات الكهرباء، أو المدارس والمستشفيات، بدعوى وجود قيادات حماس في تلك المناطق، إلا أنها فشلت في القبض على أي منهم. كما فشلت القوات الإسرائيلية في الاستيلاء على غزة، رغم الضغط على مواطني شمال القطاع للنزوح جنوباً، باتجاه رفح، على أمل أن يتم نقلهم إلى سيناء. الأمر الذي رفضه، بوضوح، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأيدته أمريكا، مثلما أيدته في ضرورة حل المشكلة الفلسطينية من خلال حل الدولتين، وهو ما يرفضه نتنياهو، لتبدأ سلسة من المشكلات بين أمريكا وإسرائيل، منها رفض أمريكا سيطرة إسرائيل على قطاع غزة بعد انتهاء العملية.
والحقيقة أن تلك الحرب، قد كشفت وحشية الاحتلال الإسرائيلي، ومعاناة الشعب الفلسطيني، على مدار عقود طويلة، فانطلقت المظاهرات، في كل مدن العالم، تعاطفاً مع أهالي غزة، وتصدرت القضية الفلسطينية المشهد، خاصة مع تعنت القوات الإسرائيلية في دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما دفع جهات عدة للعمل على سرعة إنهاء الحرب، خاصة وأن أمريكا ستخوض معركة الانتخابات الرئاسية، اعتباراً من الشهر الحالي، في ظل فقدان جو بايدن للكثير من شعبيته، بسبب دعمه، غير المشروط، لإسرائيل، فيما اعتبرته شعوب العالم، دعماً للإبادة الجماعية، التي تشنها إسرائيل على فلسطين المحتلة، وهو ما يهدد فرص بايدن في الفوز بكرسي الرئاسة الأمريكية.
واتسعت دائرة الحرب، عند قيام الحوثيون، في اليمن، بإغلاق باب المندب، واعتراض واستهداف السفن الإسرائيلية، أو المتجهة إلى إسرائيل، مما اضطر الخطوط الملاحية، أياً كانت وجهتها، إما لتعليق رحلاتها، أو تغيير مسارها من خلال طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما من شأنه اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، بسبب ارتفاع تكلفة الشحن وبالتالي أسعار المنتجات، مما اضطر الولايات المتحدة لتكوين تحالف، يضم 20 دولة، للتصدي للحوثيون في باب المندب، وكذلك لتأمين الملاحة في البحر المتوسط ومضيق جبل طارق.
وأكدت الحرب على مكانة مصر، وقوتها المؤثرة، في المنطقة العربية والشرق الأوسط، بإدارتها الحكيمة، وقراراتها الحاسمة، ومبادراتها المتزنة، لجمع شمل الفرقاء والوصول إلى وقف الحرب، من خلال هدنة دائمة، على أساس تبادل أسرى الحرب، مقابل السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مع إعادة حكم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية في رام الله، وهو ما تتفق معه الإدارة الأمريكية، التي تدعو لتوحيد الحكم الفلسطيني، وإجراء استفتاء في غزة ورام الله.
وإلى لقاء في الأسبوع القادم، نناقش فيه الوضع في ليبيا والسودان، واتجاهاتهما في عام 2024