الغول
بقلم ✍️سمير الدسوقي
هل قرأتم أو سمعتم عن هذا الحيوان الغريب، الذي تخيلناه ونحن صغار كما رسمه أجدادنا في حكاياتهم، ذا شعر كث وجسم ضخم وقوي، وأنيابٍ فتاكة، يقطع الطريق على الناس، فيأكل لحمهم ويشرب دماءهم ويمصمص عظامهم؟!.
لقد أسموه “الغول “، ومازال اسمه يرعب الأطفال في الريف وحتى المدن إذا عَصَوا أمر ذويهم وابتعدوا عن الدار.. وهذا الغول مع قسوته وشدة فتكه بالناس تبقى له فضيلة من أكبر الفضائل أنه لايؤذي من يلقى عليه السلام؛ لذلك حفظنا العبارة المنسوبة إليه : ” لولا سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك وألقيت عظامك “.
ولكن غولنا الذي نتحدث عنه الآن لايوقفه عن الفتك بنا سلام ولا حسن كلام، إنه غول “الغلاء “تحت مسمى جشع التجار، يفتح فمه ليبتلع آخر جنيه من دخل الطبقات محدودة الدخل، فما يمر يوم حتى نري أسعار السلع ترتفع ساعة إثر ساعة، وكلما نما وكبر جشع التجار، اتسع فم غولهم، وتكورت بطنه، وانغرست أنيابه في رقاب المطحونين ؛ ليمتص دماءهم بعد أن عجزت أموالهم عن ملء جوفه، فلم يعد في مقدور المطحونين من الطبقات الدنيا والمتوسطة العاجزة عن شراء ضرورات الحياة اليومية لهم ولأولادهم، إلا أن يلجأ الواحد منهم إلي الله شاكيا صارخا :اللهم إني أشكو إليك ضعفي، وقلة حليتي، وهواني على الجشعين، يا أرحم الراحمين “.
نحن الطبقة الفقيرة والكادحة نتضاءل، وتتعري أجسادنا، ويمتطي الحرمان ظهورنا.. نحن؟.. من نحن؟.. نحن لاشيء، لاشيء، وكل الشيء هو جشع التجار، سارقي قوت الشعب، صانعي الغلاء، رافعي الأسعار إن حقا أو باطلا.
يأتي في مقدمة الأسباب التي صنعت هذا الغول وتعهدته بالرعاية وتركته حرا طليقا، ترك باب التحكم في التجارة الخارجية لفئة من الناس، ليس لهم هدف إلا الربح حلالا كان أم حراما.، وكلما زادت تجارتهم قوي بطشهم وبالغوا في رفع الأسعار، وياليتهم أقاموا المصانع والمزارع بأموالهم مما يعود بالنفع على الوطن، بل راحوا يضعون أموالهم في المصارف الأجنبية يجنون الربح عليها، ثم تهرب رءوس الأموال الأجنبية، وتدفع الدولة فوائد الديون من الناتج الزراعي والصناعي، ويتبع ذلك ارتفاع الأسعار، وضعف القيمة الشرائية للجنيه المصري، وزيادة المرتبات عند حد محدود، فتضيق الدائرة، ويشعر المواطن في مرارة الحنظل بشدة وطأة غول غلاء الأسعار.
إذن لامخرج لنا من هذه الضائقة إلا بتدخل الدولة للأخذ بيد الفئات المطحونة برفع الرواتب، بما يحقق التوازن بين الأجور والأسعار، وأن يكون دعم السلع الضرورية لصالح المستحقين فقط، وأن تفرض الضرائب المناسبة على العاملين بالخارج في غدوهم ورواحهم، وكذلك على أصحاب الملايين والمليارات وماأكثرهم في بلادنا، وسلعهم تكون بغير سعر سلع الغلابة المدعومة، فلايحق لهم جمع ثرواتهم من عرق الشعب وجهده ثم يتركونه غارقا في مستنقع الحرمان.
وعلى أجهزة الدولة أن تضرب بقوة كل يد تخالف الأسعار، وأن تنشئ من أجهزة الرقابة مايكفي لمراقبة الأسعار ومتابعتها، والقبض على مصاصي دماء الشعب وسارقي قوته؛ حتي يمكن لسفينة الوطن أن تسير بثقة إلى شاطئ البناء والأمان.
وتحيا مصر.. تحيا مصر… تحيا مصر
الغول