الفكر الإسلامي المعاصر . . آراء وتيارات
الدكتور المفكر طارق فايز العجاوي
بداية علينا ان نؤمن قبل كل شىء بان الحوار افضل واجل الوسائل وايسر الطرق التى توصلنا الى الحقيقة – ففيه نوال زبدة الراى – وهذا الحق وهو الاولى بالاتباع والراى عندى الذى يجب ان نعمله ونحن بصدد بحث مثل هذه المواضيع الحساسة ان ليس هناك ما يدعو الى وجود مواجهة او صدام بين مختلف التيارات فى الفكر الاسلامى لطالما يجمعها حقيقة الاسلام على اعتبار انه النبع الذى يغذى الروافد وهذه حقيقة يدركها كل عاقل اراد الحق وانعم النظر
واقع الحال يقول ان الاسلام بوصفه عقيدة ونظاما للحياة الانسانية معا قد برز فى ساحة تغص بالمذاهب والعقائد والنظريات والمبادىء التى تتصارع فى هذا العصر او بالاحرى استدرج الى هذه الساحة وفى هذا الادعاء عين الحقيقة والصواب فقد اضحى من اليسير فى مجال نظام الاسلام كمنهج للحياة ان تناقش اصوله وقواعده وثوابته وان تقاس احيانا على ما هو سائد ونراه من نظم معاصرة – حقيقة فى هذا كل التجنى – حتى وصل البعض فى هذا المنحى الى البحث عن الانتماء المذهبى له وفى هذا ايضا سنام التجنى بل المحايدة للصواب فقد اصبح فهمنا للاسلام فى كثير من الاحيان مستمدا مما نراه وندركه حولنا من تيارات فكرية فى مجالات عديدة منها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بمضامين اصبحت مكشوفة لدى العامة والذى يزيد الامر تعقيدا ومجافاة للصواب هو ان هذه المذاهب والمعتقدات والنظريات والمبادىء كانت عند نشاءتها ذات صياغة محددة ثم طالها التطوير والتحويل وربما التحريف لدرجة ان الالفاظ التى نعبر بها عنها تبدو فى احيان كثيرة كما لو كانت قد فقدت خاصيتها فى التعبير عن مدلولاتها
فاذا ذكرنا الاشتراكية والراسمالية وتياراتها المختلفة المنبثقة عنها وما يثور بشاءن تحديد مدلولاتها عند طرحها او اثارتها للنقاش لادركنا ان عرش الكلمة قد سقط وباعتقادى ان مسلما صحيحا لا يتصور ان يدخل الاسلام الى ساحة الصراع او المواجهة مع العقائد او المذاهب الوضعية التى تتعارض بالجزم مع اصول عقيدته وشريعته ولا ان يتوه مدلول الاسلام امام اصله وسط تيارات متناحرة متنافرة كلا منها ياخذ من الاسلام واقعا يطال جانب بعينه – وفى هذا سنام التشويه – او حتى فقط الاسم بنصيب اذن هو مسلك واضح المعالم لا بد من التمعن به وانصافه
ليس ولاثبات ما ندعى علينا التعريج على بعض التيارات الاسلامية – اقول بعضها فقط – للتدليل على صدق دعوانا بصحة بعضها وتجاوز المنبوذ منها ونذكر من هذه التيارات
*** التيار السلفى الذى يصفه البعض بالجمود اقول ان رفض اى تيار باكمله او مذهب برمته دون البحث وبتمعن بالايجابيات او السلبيات فيه سنام التجنى والاجحاف على هذا التيار او ذاك ولا يعد حقيقة تقييما له على اعتبار ان فى ذلك محايدة للصواب فالتيار السلفى الذى يرفضه البعض ليس شرا كله فى الواقع ليس هناك من شك ان التيار السلفى اقرب الى الحقيقة فى مجال العقيدة وفى مجال الاخلاق وايضا فى مجال التشريع واذا كانت بعض الفروع الفقهية قد تبدو فى مجال المعاملات بالذات و قاسرة فعند السلف في فروعهم التي تخالفها أو أصولهم التي يتفقون عليها ما يغني و أرى حقيقتا عدم الخوض في التفاصيل تيسيرا على القارئ و اختصارا لتصل فكرتنا بأيسر السبل و أسهلها إلى المتلقي -و نرجو الله جلت قدرته أن نحقق ذلك- وبعتقادي حسب التيار السلفي أنه يتجه إلى الاعتدال كلما جنح المجددون إلى الشطط و هذا حقيقتا ليس من باب الدفاع عن هذا التيار ولكن هذا هو واقع الحال و إنما هو إبراز لدوره حين يحتاج الأمر في أي مذهب من مذاهب الإصلاح و التغيير إلى المعايير و الضوابط و بناءا على هذا لا أرى حاجتا إلى الدعوة للاجتهاد في الأصول وهذا مبناه أن أصول العقيدة و أصول الشريعة أيضا لا بد و أن تكون مستندة إلى كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة عليه الصلاو و السلام
و الجميع يعلم أن الأصول في شرعنا الحنيف و إن قصدنا بها أصول النقد الإسلامي فهو ذلك العلم الذي يحصر مصادر التشريع وطرق استنباط الأحكام منها و من هذه المصادر المصلحة العامة و ليس بعدها شئ يحتاج إليه الناس و إذا قصدنا الأصول العامة لشرع فهي القواعد التي يمليها العقل والتي صاغها الفقهاء و ليس فيها دون أدنى شك ما يخل بمصلحة الفرد و الجماعة فالضرر مرفوع و الضرورات تبيح المحظورات و الضرر الخاص يتحمل لإزالة الضرر العام وهذه الأصول باعتقادي لا يخلو منها أي شرع ديني أو وضعي كونها تمس النفس البشرية إذا قولي لهؤلاء الذين يهاجمون السلفية اعطونا أصلا واحدا من أصول الشريعة يحتاج منا إلى نظر و مراجعة إن كان أصلا ثابتا حقا هذه حجتنا فأين حجتكم ؟
و من التيارات أيضا ذلك التيار الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة فقد لقي هذا التيار ردودا بل أقول مواجهة من دعاة استبعاد تطبيق هذا التيار قولي ليس هناك ما يؤاخذون عليه كون تيار الضد يدعي بأن تطبيق الشرع يحتاج منا أولا إلى إصلاح المجتمع و هذا مردود عليهم كون في هذا اختيار للأسهل و تخوف من التغيير و تأجيل للقضية برمتها على اعتبار أن كل مجتمع يريد أن يتطور لا بد له من إطار يحكم هذا التطور وإذا نحن وصلنا إلى إصلاح المجتمع دون أن نطبق حكم الشرع فعلا فما أغنانا عنه بعد الإصلاح فمجتمعنا الإسلامي هو الذي يطبق شرع الإسلام وليس هو المجتمع الذي يدعو للإعداد لتطبيق الشرع فحسب دعوة مجردة من التشريع أو التقنين و ليس لزمانها حد و لا لإثباتها بينة و برهان و لو أننا باشرنا بتطبيق الشرع في جانب من الجوانب ثم يتلوه اخر لكان ذلك خيرا من التمسك من الإنتظار حتى يتهيأ لتطبيق الشريعة كلها بين يوم وليلة وكما قيل فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة و فعلا إذا كان في المسلمين طائفة تعيش محزونة مهمومة لا تعرف للإبتسام سبيلا فذلك مرده ليس الإسلام حتى لو فهمه أولئك خطأ و أنا أرى أن السبب هو ما يلاقيه هؤلاء المحزونون الذين لا يبتسمون من تعب الحياة حولهم و ما يلاقونه من فقر أو ذلة أو هوان على أيدي حكامهم أو على أيدي الناس فلا يجدون للابتسام سبيلا و أولى بنا أن لا نكتفي بتسليط رجال الأمن عليهم قبل أن نبحث ضيق حياتهم أو انغلاق عقولهم
واقع الحال ان هناك الكثير من التيارات التى طرحت والموجودة على ارض الواقع ولقيت مواجهة وصدود وردود لا يتسع المجال للخوض فى فحواها واثبات مدى احقيتها وتفنيد اراء اولئك الذين هاجموها من دون ادنى وعى او كونهم يؤمنون بالوضعى من الشرائع والنظم على كل الاحوال اقول لهم اهداف ومارب لا تخفى على احد
على كل الاحوال ان الاسلام ليس هو الفكر الاسلامى والذى تتنازعه التيارات التى تختلف فى مضامينها واهدافها ووسائلها وحتى مفاهيمها على اعتبار ان الفكر الاسلامى قد يكون هو التاثير الغالب للاسلام حين يتفاعل مع ثقافات اخرى وحين يتعامل مع الناس والمكان والزمان والحياة بشكل عام ويبقى مع ذلك باصوله فى العقيدة والشريعة ولذلك فليس من الحكمة ان نحجر على فكر معين او ندين جملة تيارا بعينه ما دام هذا الفكر لا يخرج عن اصول العقيدة والشريعة وبذلك لا نكون بحاجة الى المواجهة بقدر ما نكون فى الغالب بحاجة الى الحوار