مقالات

القضاة في العصر المملوكي

جريدة موطني

القضاة في العصر المملوكي
بقلم / محمـــد الدكـــروري

القضاة في العصر المملوكي

الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وكما ذكرت المصادر أن الخطر الصليبي الذي تمثل في حملة بطرس الأول ملك قبرص على الإسكندرية في سنة سبعمائة وسبع وستين من الهجرة، كان له أثر في ذلك الإجراء الإداري وهو تعيين النواب والسلاطين علي الأقاليم، وفي عصر دولة المماليك الشراكسة وجد نائب لكل من الوجهين البحري والقبلي مهمته الإشراف على جميع الولاة والعمال الذين يقومون بإدارة شؤون الوجه التابع له، وبقيام السلطنة المملوكية إستمر المذهب الشافعي.

كمذهب لقاضي القضاة كما هو أيام الأيوبيين، إلى أن جرى أهم تطور في النظام القضائي على يد السلطان الظاهر بيبرس سنة ستمائة وثلاثة وستين من الهجرة، الذي قام بتحريم أي مذهب عدا المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، ذلك أنه بعدما تقلد ابن بنت الأعز الشافعي منصب قاضي قضاة مصر سنة ألف ومائتان وواحد وستين ميلادي، تأخر البت في القضايا بسبب إختلاف المذاهب مما إضطر قاضي القضاة للتوقف كثيرا في الأحكام التي تخالف المذهب الشافعي، وتوافق سواه من المذاهب حتى يستفتي فقهاءها وعلماءها، فأشار الأمير جمال الدين أيد غدي العزيزي على الظاهر بيبرس بأن يولي من كل مذهب قاضيا مستقلا يحكم بمقتضى مذهبه، فأجابه إلى ذلك في إجتماع بدار العدل يوم الإثنين الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة.

سنة ستمائة وثلاثة وستين من الهجرة، حيث قضى رأي السلطان بتعيين قاضي قضاة لكل مذهب من المذاهب الأربعة، مع بقاء الرئاسة لقاضي الشافعية، وأضحى لاتقبل شهادة أحد ولايرشح لوظائف القضاء أو الخطابة أو الإمارة أو التدريس إلا إذا كان من أتباع أحد هذه المذاهب، وسنة ستمائة وأربعة وستين من الهجرة، حذت دمشق حذو القاهرة وأصبح لكل مذهب قاضي قضاة، ثم غدا في كل نيابة من نيابات الشام أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وإضطر المماليك للتهديد بإستعمال القوة العسكرية للقضاء على المذاهب الأخرى، وخاصة رواسب المذهب الإسماعيلي الفاطمي، ولاريب أن لموقف الحشاشين المعادي للنظام والمتعاون مع الصليبيين والمغول دورا في هذا وكانت فرقة سرية على المذهب الإسماعيلي قامت على إغتيال الساسة والكبراء أواخر العصر العباسي والعصرين الأيوبي والمملوكي، وقضى عليها الظاهر بيبرس،

قام القضاة في العصر المملوكي بدور هام في المجتمع إذ إمتدت إختصاصاتهم إلى مختلف أنواع القضايا المدنية والجنائية، وكانت جلسات المحاكم تعقد في دور القضاء، فإن لم توجد فإنها تعقد عادة في المساجد، كما وجدت محكمة عليا تعقد في دار العدل برئاسة السلطان عرفت بإسم محكمة المظالم، مهمتها النظر في القضايا التي إختص السلطان بالنظر فيها مباشرة أو التي يستأنفها أصحابها أمام السلطان بعدما يحكم فيها القضاء العادي، أو تلك التي تنشأ بين الحكام والمحكومين، أما رجال الجيش فكان لهم قضاة العسكر، وهم مختصون بشؤون الجند وليس لهم ولاية على غيرهم، كما كانوا يفصلون في القضايا الناشبة بين العسكر والمدنيين، وقد جرت العادة أن يصحب قضاة العسكر السلطان في أسفاره.

إن النظر في القضاء كان دوما موضع رعاية خاصة في الإسلام، وكان يغلب على أصحابه إبتعادهم عن الأهواء التي تعتور الإدارة المحلية، ومضى الإجراء المتبع في الدولة الإسلامية أن الحاكم العام الخليفة أو السلطان أو الملك هو من يعين كبار رجال القضاء ولم يخالف المماليك هذه السنة، وكان في هذا حصانة للقضاء ورجاله من الخضوع للتأثيرات المختلفة.

القضاة في العصر المملوكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى