![المقامة والحكاية بين الاندثار والاستمرار](https://mawtany.com/wp-content/uploads/2025/02/454375728_8460274804006030_2973091362119737354_n-780x470.jpg)
المقامة والحكاية بين الاندثار والاستمرار
كتب/ م: أحمد النحاس .. نائب رئيس مجلس الإدارة
المقامة والحكاية بين الاندثار والاستمرار، تُعَدُّ المقامة والحكاية من أبرز الأشكال السردية التراثية التي ازدهرت في الأدب العربي خلال عصور سابقة، حيث كانت تلك الأشكال تُمثل أدوات تعبيرية فنية تحمل في طياتها الكثير من القيم الثقافية والاجتماعية، ومع تطور الأدب وتغير الأذواق القرائية، يثور التساؤل حول مدى حضور هذه الأشكال السردية التراثية في عصرنا الحالي، وهل ما زالت تملك نفس الزخم والتأثير، أم أنها قد اندثرت بفعل شيخوخة أدبية.
المقامة، التي نشأت في القرن الرابع الهجري على يد بديع الزمان الهمذاني وتطورت مع الحريري، تعتبر نصًا يجمع بين السرد والشعر، يتميز بالفكاهة والبلاغة واستخدام اللغة بشكل مكثف ومتقن، وفي العصر الحديث قلَّما نجد أعمالًا أدبية تتبع أسلوب المقامة الكلاسيكي، إلا أن روح المقامة قد تتجلى في بعض الأعمال الأدبية المعاصرة التي تستخدم السرد المركب واللغة المزخرفة، مثل بعض الأعمال الروائية لجبران خليل جبران ونجيب محفوظ، التي تحمل في طياتها جوانب من التركيب اللغوي والتعبير الفني المتقن.
أما الحكاية كنوع سردي قديم فقدمت قصصًا خيالية وأسطورية كانت تُروى شفهيًا قبل أن تُدوّن في مجموعات قصصية مشهورة مثل “ألف ليلة وليلة”، وفي العصر الحديث لا تزال الحكاية تحتفظ بجاذبيتها خاصة في أدب الأطفال والأدب الشعبي، فالقصص القصيرة والروايات الحديثة تستوحي الكثير من عناصر الحكايات التراثية مع تكييفها لتناسب الأذواق المعاصرة كأعمال الكاتب السوري حنا مينا الذي يستلهم في بعض رواياته من الحكايات الشعبية والتراثية.
ومع تطور المجتمعات وتغير الاهتمامات الثقافية تغيرت الأذواق القرائية، أصبح القراء يميلون نحو الأعمال التي تعكس واقعهم الحالي وتعالج قضايا معاصرة بأسلوب بسيط ومباشر، بالإضافة إلى ذلك حظيت الأشكال الأدبية الحديثة مثل الرواية والقصة القصيرة بشعبية واسعة نظرًا لقدرتها على استيعاب التعقيدات الحديثة والتعبير عنها بطرق مبتكرة، كذلك وسائل الإعلام الحديثة من أفلام ومسلسلات وبرامج تلفزيونية لعبت دورًا في تحويل الاهتمام من النصوص الأدبية التقليدية إلى الأشكال السردية البصرية، مما أثر على انتشار الأشكال السردية التراثية.
رغم هذه التحديات لا يزال هناك متسع للحفاظ على التراث السردي من خلال إعادة إحياء المقامات والحكايات عبر المهرجانات الأدبية والمعارض الثقافية التي تركز على التراث السردي العربي، وتسليط الضوء على تقديم هذه الأشكال الأدبية بشكل جذاب لجيل جديد من القراء، بالإضافة إلى إدراج المقامات والحكايات في المناهج الدراسية وتشجيع الدراسات الأكاديمية حولها لنساعد في الحفاظ على هذا التراث الأدبي ونقله للأجيال القادمة.
بعض الأدباء المعاصرين يستلهمون من التراث السردي بحيث يدمجون عناصر من المقامات والحكايات في أعمالهم، مثل الروائي المصري يوسف زيدان الذي يستخدم في بعض رواياته عناصر من الحكايات التراثية لخلق عوالم سردية غنية ومعقدة.
ختامًا، المقامة والحكاية رغم قدمهما لا تزالان تحتفظان بحضور في الأدب العربي وإن كان ذلك بطرق مختلفة، في عصرنا الحالي تتجلى هذه الأشكال السردية التراثية في بعض الأعمال الأدبية التي تحاول دمج الأصالة مع الحداثة، وهذا يساعد ولو بشكل بسيط في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي القيم.
المقامة والحكاية بين الاندثار والاستمرار.