النصر ليس غنيمة باردة
النصر ليس غنيمة باردة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 17 فبراير 2024
النصر ليس غنيمة باردة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذي تتجلى إنسانيته صلي الله عليه وسلم في كل شيء فيريد أن يخفف عنكم في إختياره الأيسر والأسهل ما لم يكن إثما، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في أمر ينتهك منه، إلا أن تنتهك لله عز وجل حرمة، فينتقم لله عز وجل” وها هو صلى الله عليه وسلم يرسي لأمته مبدأ اليسر والسهولة الذي يتماشى مع إنسانية المسلم، فعندما رأى حبلا ممدودا أمر بحله.
وأمر أمته ألا تتكلف من العمل إلا ما تطيق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال” يريد الله أن يخفف عنكم “ما هذا الحبل؟ قالوا هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لا، حلوه ليصلي أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم أما أنا، فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم.
فقال “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” رواه البخاري ومسلم، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، واعلموا يرحمكم الله أن الله تبارك وتعالى شاء أن يخلق بشرا يمكن أن يهتدي، ويمكن أن يضل ليتحقق بذلك الابتلاء والاختبار لحكمة يعلمها، وهو عز وجل أحكم الحاكمين، فهذا النصر ليس غنيمة باردة يقبضه الإنسان بدون ثمن، بل لا بد من الصبر والجهاد، وكما أن أهل الباطل يجهدون ويجاهدون ويتعبون، فكذلك أهل الخير، إذ أن الجهد الذى يبذله أهل الباطل يجب أن يبذل أهل الخير لا أقول مثله، لكن أقول يجب أن يبذل أهل الخير ما يستطيعون في مواجهته ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ”
فلا يظن الإنسان أن الطريق معبده، وأنها مفروشة بالورود والرياحين، ويكفيه أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاقوا في سبيل هذا الطريق ما لاقوا، منهم من أوذي، ومنهم من أخرج، ومنهم من طورد حتى قال ورقة بن نوفل كما في صحيح البخارى للنبي صلى الله عليه وسلم أو ل ما بُعث ” ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك، قال أومخرجي هم؟ قال نعم، لم يأتى أحد بمثل الذي جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ” وهذا الذي حدث فعلا حيث أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصة إخراجه من مكة فيها عبرة، وفيها ما يثير نفوس المؤمنين، وكأني أنظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد طارده المشركون وضايقوه وأحكموا عليه الخناق حتى اضطروه إلى الخروج من مكة البلد الأمين الذى يحبه صلى الله عليه وسلم.
فخرج حزينا على ذلك، فلما وصل إلى الحزورة، وهو مكان يقع إلى الشرق من الكعبة، وهو اليوم أسواق التفت إلى الكعبة وهو بقلب حزين ودمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال يخاطب مكة ” والله إنك لأحب البلاد وأفضل البلاد إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت” ولما ذهب إلى المدينة صلى الله عليه وسلم وأصابته الحمى، وكان في المدينة محمومة في ذلك الوقت، وأصابت الحمى أصحابه، فكانوا يقعون تحت طائلة هذه الحمى، حتى إن بعضهم كان يقول من شدة الحمى ولا يعى ما يقول ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة بوادى وحولى إذخر وجليل، وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل، يتطلعون إلى معالم ومواضع وأماكن وجبال في مكة عاشوها وما حولها.