مقالات

ذنوب الخلوات مهلكات 

ذنوب الخلوات مهلكات 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذنوب الخلوات مهلكات

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلّ له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم أما بعد إن القبر فيه نعيم وفيه أيضا عذاب لمن استحق هذا العذاب، ولو أن الله تعالى أطلعنا على أصوات المعذبين في قبورهم لصعق الناس من شدته، واسمع لهذا الخبر فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم ” إذا وضعت الجنازة فإحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت قدّموني قدموني، وإن كانت غير ذلك، قالت يا ويلها، أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق” واعلموا أنه كما أن ذنوب الخلوات مهلكات. 

 

فكذلك حسنات الخلوات منجيات، فإبسطوا أيديكم أيها المؤمنون بالتوبة والإستغفار، وإبسطوها لرحمات الله تعالي التي تتنزل في الثلث الأخير من الليل، عندما تكون الخلائق قد أخلدت إلى النوم، وهدأت الدنيا، وغارت النجوم، وتفتحت أبواب السماء لدعوات الداعين، ولإستغفار المذنبين، ولإستغاثات المنكوبين، ولتضرعات الذين ظلموا أنفسهم من الناس أجمعين، وأقبلوا على الله الكريم، فاسألوه من فضله فهو الذي يقبل من عاد إليه، وهو الذي لا تنفد خزائنه، ولا يبخل على سائليه، بل يمن عليهم بالمغفرة والثواب، فقد أنزل الله تعالي في المنافقين سورة سميت بإسمهم، تفضح بعض مواقفهم وتخبر عن بعض صفاتهم، فقد وصفهم الله تعالى بأن الناظر إليهم يعجب بجمال أجسامهم ومن يسمعهم يؤخذ بفصاحة ألسنتهم. 

 

لكنهم كالهياكل الفارغة فهم أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام، وهذه الصفات تتناسب مع حالة النفاق، إذ إن ظاهر المنافق دائما خير من باطنه، فظاهره الإيمان وباطنه الكفر وهو ذلق اللسان، لكنه يقول غير ما يعتقد فهو كذاب وهو جميل الصورة لكنه عاطل من الصفات النبيلة كالإيمان والمروءة والرجولة وكل ما يزين الباطن، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان عبد الله ابن أُبي وهو رأس النفاق، وسيما جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ولمّا كان للظاهر سلطانه القوي في التأثير، وإنتزاع الإعجاب علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ضرورة تجاوزه إلى المعاني الباطنية لأنها هي الفيصل الحقيقي في تقييم الرجال. 

 

وقد ورد في الحديث الصحيح “أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تقولون في هذا؟ قالوا حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع يشفع وإن قال أن يستمع إليه، فمر رجلا آخر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تقولون في هذا قالوا حري إن خطب ألا يُنكح وإن شفع ألا يشفّع وإن قال ألا يستمع إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ” ففضل النبي صلى الله عليه وسلم الفقير على الغني وذلك لا يلزم منه تفضيل كل فقير على كل غني، إنما أراد أن يعلمهم أن التفاضل لا يقوم أبدا إلا على المعاني الباطنية وما يتبعها من أعمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى