![](https://mawtany.com/wp-content/uploads/2025/01/FB_IMG_1738312137577-780x470.jpg)
رسول الله يحكم بين الزبير والأنصاري
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الاثنين الموافق 29 ابريل 2024
رسول الله يحكم بين الزبير والأنصاري
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وأصحابه ومن اهتدي بهداهم إلي يوم الدين أما بعد لقد كان رسول الله المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم ضحكه طاعة لربه تعالى، وفيه من مقاصد الإقتدء والأسوة ما يفوق الوصف، ولم يكن ضحكه عبثا أو لهوا أو تزجية للوقت وقتلا للزمن، فيركب صلى الله عليه وسلم راحلته مسافرا فيدعو بدعاء السفر ثم يقول ” اللهم اغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت” ثم يضحك صلى الله عليه وسلم، فيسأله أصحابه لم ضحكت يا رسول الله؟ فقال ” يضحك ربك إذا قال العبد اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ويقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا” رواه أحمد.
ويتلو صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار، ويسأل ربه شيئا فشيئا حتى يعطيه الله عشرة أمثال ما تمنّى، فيقول الرجل أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ فيضحك صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فمن هديه صلى الله عليه وسلم الذي هداه الله إليه ودله عليه أنه يعطي كل مقام حقه حتى لا يصلح في ذلك المقام إلا ما فعله صلى الله عليه وسلم، ففي وقت الأنس والفرح والسرور مزاح مقتصد ودعابة وقورة ومرح معتدل، وفي وقت الموعظة والخوف والتذكر بكاء في خشية ورهبة في ذكرى وتأثر في سكون، فمزاحه تأليف للقلوب ودعابته أنس للأرواح، وضحكه بلسم للنفوس، بل كل مزحة مكتوبة في دواوين الحديث على أنها سنة، وكل دعابة نقلها الرواة على أنها أثر وخلق من أخلاقه الشريفة.
فسبحان من رفع قدره حتى صار ضحكه يحفظ في بطون الأسفار كأنه أعجب قصة من قصص العبر والعظات، وتبارك من شرّف منزلته حتى جعل مزحه يرويه الثقات عن الثقات كأنه فريضة قائمة، فصلى الله عليه وعلى أصحابه وآله ما تنفس صباح وعسعس ليل، وقيل أنه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزبير ورجل من الأنصار، فقال الأنصاري أن كان ابن عمتك؟ يعني أن الزبير ابن عمتك صفية فحكمت له؟ فأنزل الله تعالي ” فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ” فكفى بالله شهيدا على عدل رسوله وصدق أحكامه وصحة قضائه، فهو مؤسس العدل في العالم، وهادم صرح الظلم، واعترف بذلك العدو والصديق والكاره والمحب، وقس على ذلك أخلاقه الشريفة التي دعا إليها.
وكان أول عامل بها، فصدّق فعله قوله وباطنه ظاهره، وجوارحه قلبه، وأما جمال ظاهره صلى الله عليه وسلم فهو عنوان كتاب قيمه المثلى، وبوابة قصر محاسنه الجلّى، فكان أجمل الناس وجها وأبهاهم محيّا، وأزهرهم جبينا وأنورهم طلعة، رقيق البشرة طيب الرائحة، زكي الشذا، عرقه كالجمان، وأنفاسه كالمسك، ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أزكى من رائحته” رواه البخاري ومسلم، وكان يصافحه الرجل فيجد آثار الطيب في كفه أياما عديدة من أثر مصافحته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ العاطفة جياش الفؤاد، يضحك للنادرة ويهش للدعابة، ويتأثر للموقف ويبكي رحمة، ويلين شفقة ويمتلئ خشية، إذا سالم فأوفى الأوفياء وأكرم الأصدقاء.
وإذا حارب فأعتى من الرياح النكباء وأمضى من الصعدة السمراء، وإذا أعطى فأجود من تحت السماء وأسخى من شربة الماء، وإذا رضي ملأ القلوب سعادة وعمر المجلس حفاوة، وإذا غضب في الحق كان أمضى من السيف حسما، وأقوى من الأيام حزما، وكان يضحك بأسنان كالبرد، ويبكي بدموع كالمطر، ويعطي بكفّ الغيث، ويقابل بمحيّا كالفجر، لا يملّ جليسه حديثه، ولا يسأم رفيقه صحبته، ولا يطيق من عرفه فراقه، وكان يخرج الى العيد في حلّة حمراء زاهية باهية، بوجه طلق بشوش، أجمل من العيد وأجل من تلك الفرحة، فكان عيد الصحابة الأعظم رؤيته وسماع حديثه والتمتع بصحبته، ويحضر الإستسقاء متخشعا مبتذلا متضرعا باكيا، فكان أعظم موعظة عند المسلمين رؤية ذاك الوجه الخاشع والنظر الى تلك الدموع الصادقة والمنظر المؤثر.
ويخوض صلى الله عليه وسلم الحرب ويشعل المعركة بقلب وثّاب ونفس ثابتة وعزم صادق، فتنهزم أمامه الصفوف وتتراجع من سطوته الأبطال، فأشجع الصحابة وقت الذروة يتقي به، وأعتى الكماة لحظة الموت يحتمي به.