عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين فقط
بقلم / محمـــد الدكـــروري
عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين فقط
أحمده الحمد كله، وأشكره الشكر كله، اللهم لك الحمد خيرا مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، أشهد أن لا إله إلا الله شهادة أدخرها ليوم العرض على الله، شهادة مبرأة من الشكوك والشرك، شهادة من أنار بالتوحيد قلبه، وأرضى بالشهادة ربه، وشرح بها لبه، وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله وسلم على كاشف الغمة، وهادي الأمة، ما تألقت عين لنظر، وما اتصلت أذن بخبر، وما هتف حمام على شجر، وعلى آله بدور الدجى، وليوث الردى، وغيوث الندى، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، إن عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين، وكل على حسب حاله من عمله وما استوجبه من ذنوبه ومعاصيه.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر” رواه مسلم، وقال الطيبي “ومعنى لولا أن لا تدافنوا أي أنهم لو سمعوه لتركوا التدافن حذرا من عذاب القبر، أو لاشتغل كل بخويصته حتى يفضي بهم إلى ترك التدافن، وقيل أراد لأسمعتكم عذاب القبر، أي صوته ليزول عنكم استعظامه وإستبعاده” وهذا الحديث يدل على وجوب الإيمان بعذاب القبر والفقه في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد حرصه على أن يبين للمسلمين كلهم عذاب القبر يقينا لا يتمارون فيه حتى كاد يدعو الله أن يسمعهموه” وقال القرطبي ” قال أبو محمد عبد الحق اعلم أن عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين، ولا موقوفا على المنافقين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين، وكل على حاله من عمله، وما استوجبه من خطيئته”
وقد سئل الإمام ابن تيمية عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق فهل مات شهيدا؟ أجاب نعم مات شهيدا إذا لم يكن عاصيا بركوبه، وقال في موضع آخر ومن أراد سلوك طريق يستوي فيها إحتمال السلامة والهلاك وجب عليه الكف عن سلوكها، فإن لم يكف فيكون أعان على نفسه فلا يكون شهيدا، فمدار الأمر على النية، فقد يكون في الظاهر في سبيل الله تعالي وفي الباطن غرضه الدنيا أو منصب أو جاه أو غير ذلك، وإن لكل شهيد على أرض الوطن عدة فضائل وكرامات خص الله تعالي بها الشهداء الأبرار، والتي يتمني كل واحد منا الشهادة على أثرها كما تمنى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وإن ثمرات الشهادة وكرامات الشهداء كثيرة في الدنيا والآخرة، وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بعضا منها في حديثه النبوي الشريف.
ومن هذه الفضائل والكرامات هو الحياة بعد الاستشهاد مباشرة، وهذه هي صفة الحياة الأولى فهم أحياء أولا بهذا الإعتبار الواقعي في دنيا الناس، ثم هم أحياء عند ربهم بإعتبار آخر لا ندري عن كنهه، وحسبنا إخبار الله تعالى به “أحياء ولكن لا تشعرون” لأن كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشرى القاصر المحدود لكنهم أحياء، ومن ثم لا يغسلون كما يغسل الموتى، ويكفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها فالغسل تطهير للجسد وهم أطهار بما فيهم من حياة، وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنهم بعد أحياء، والحياة ليست قاصرة على الروح فقط بل تشمل حياة الأجساد وحفظها من التآكل والعفن.