
فإذا إنشقت السماء فكانت وردة كالدهان
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سرّه وجهره، يسمع أنين المظلوم عند ضعف صبره، ويجود عليه بإعانته ونصره، أحمده على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حلوه ومره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جاد السّحاب بقطره، وطلّ الربيع بزهره، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير عن يوم القيامة وأهوالها، ومن أعظم من يبين حالها هو سورة الزلزلة، وفيها أن هذه الجبال الثابته اليوم، فإنها ترجف ثم تحرك عن أماكنها حيث يقول تعالي ” نسير الجبال ” ثم ” وبست الجبال بسا ” حتى تكون ” كثيبلا مهيلا ” وتكون ” كالعهن المنفوش ”
وأما البحار فجاء مصيرها بآيتين “فجرت” و “سجرت” فالتسجير هو الإشتعال وأما قوله “فجرت” فطغيانها وتغير قوانينها، وهذه السماء الجميلة القوية الصافية أجمع وصف لها حينئذ ” فهي يومئذ واهية ” وتكون ” كالمهل” فشبه إنحلالها بالزيت وهي تمور مورا أي تتحرك وتضطرب، ثم تنشق وتتغير الوانها ” فإذا إنشقت السماء فكانت وردة كالدهان” فهي تتفجر يوم القيامة بنجومها وكواكبها حتى تختلط الوانها ثم تسلخ سلخا فيقول تعالي ” كشطت ” فالكسوف في الدنيا من قبيل هذا التغير لتذكيرالقلوب الغافلة وإيقاظها وليرى الناس أنموذج ليوم القيامة وأنه قد يؤخذ من لا ذنب له، فكيف من غرق فيها؟ فيقول تعالي ” ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ” فنفحة الصعق تموت عند سماعها كل نفس في السموات وفي الأرض.
وكما يقول تعالي ” إنا نحن نرث السموات والأرض ومن عليها ” فمات أهل السموات والأرض وورثها الله وحده وبقي آخرا كما كان أولا فيقول تعالي “لمن الملك اليوم لله الواحد القهار” وبين النفختين أربعون ثم ينزل الله تعالي من السماء ماء كمني الرجال فينبتون كما ينبت البقل فيبقى عجب الذنب لا يبلى، ومنه يركب الخلق يوم القيامة، وإذا تهيأت الأجساد نفخ نفخة البعث ” فإذاهم قيام ينظرون ” هكذا مباشرة بالرغم من الكم الهائل للأرواح ولكن ” ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ” وكما أن حقيقة البعث أنه دعوة من الله تعالي ” يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ” فبدأ الله تعالي الخلق للدنيا بالحمد وبدأ النشأة الأخرى بالحمد وختم مصيرهم به، وكما إهتم القرآن الكريم كثيرا بالتدليل على وقوع البعث وتقريره ونوع في ذلك ما بين الأدلة النقلية والعقلية والكونية.
حتى أقسم الله تعالي به ” ليجمعنكم إلى يوم القيامة ” وكما يقول تعالي ” إن الذي أحياها لمحي الموتي ” وكما يقول تعالي ” قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ” وكما يقول تعالي ” أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ” وكما يقول تعالي ” لتجزى كل نفس بما تسعى ” ثم أمر الله تعالي نبيه بالقسم في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم على وقوع البعث كما يوجد في سورة البقرة لوحدها خمسة قصص على إحياء الموتى، وكما إهتم القرآن الكريم ببعض السور الحسية المؤثرة في تصوير البعث، كما يقول تعالي ” واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ” إلى قوله تعالي ” يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ” ثم نقل لنا وصف الوانهم فيقول تعالي ” يومئذ زرقا ” من شدة الرعب والخوف والحسرة وكما يقول تعالي ” يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا”
وأبصارهم شاخصة وكما يقول تعالي “لا يرتد إليهم طرفهم ” وكما يقول تعالي ” وافئدتهم هواء” فهي فارغة من صدورهم وكما يقول تعالي ” إذ القلوب لدى الحناجر” فحينها “يعض الظالم على يديه” يدعون بالويل والثبور وكما يقول تعالي ” لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا” ثم نقل لنا كما يقول تعالي ” قالوا من بعثنا من مرقدنا “