مقالات

فيسبوك خلف القضبان: حرية التعبير في مواجهة الرقابة

فيسبوك خلف القضبان: حرية التعبير في مواجهة الرقابة

محمود سعيد برغش

 

فيسبوك خلف القضبان: حرية التعبير في مواجهة الرقابة ، تجسد صورة شعار “فيسبوك” في هيئة كرتونية، جالسًا خلف القضبان، تعكس مشهدًا مؤلمًا. ابتسامة باهتة على وجهه تُخفي وراءها قصة مأساوية تُصيب المنصات الاجتماعية الحديثة، حيث الحرية المُصادرة والتواصل المراقب. هذه الصورة تحمل أكثر من مجرد رمزية، إنها واقعٌ نعيشه في عالم وسائل التواصل الاجتماعي.

 

البداية: حلم التغيير الذي تبخر

 

عندما أُطلقت مواقع التواصل الاجتماعي، كان هناك وعد بعالم جديد: عالم يُمكن لكل فرد فيه أن يُعبّر عن رأيه بحرية تامة، دون حدود أو حواجز. “فيسبوك” كان بمثابة المنصة الرائدة التي تجسّد هذا الحلم؛ فساحة مفتوحة، لتبادل الأفكار والآراء على نطاق عالمي، دون رقابة أو قيود.

 

لكن مع مرور الوقت، تغيرت الأمور بشكل جذري. بدأ هذا الفضاء الواسع يُخضع لسياسات تقيّد الحرية، حتى أصبح الآن محكومًا بمعايير خوارزمية صارمة وسلطوية لا يفهمها الجميع.

 

قيود التعبير: بين الحذف والحظر

 

اليوم، أصبح التعبير على “فيسبوك” أقرب إلى السير في حقل ألغام. المنشورات التي تُحذف تحت بند “انتهاك المعايير”، الحسابات التي تُعطّل لأسباب قد تكون مجرد كلمات عابرة، والصفحات التي تُحظر لمجرد مخالفتها للتيار السائد، أصبحت حقيقة يومية. فيسبوك، الذي كان يومًا رمزًا للانفتاح، أصبح الآن سجّانًا يفرض قيوده بحجة حماية المجتمع.

 

الأمر لا يتوقف عند الحكومات فقط، بل يمتد ليشمل المنصة نفسها التي تفرض رقابة مشددة على ما يُنشر. هذا النوع من المراقبة يعكس خوفًا من الضغوط السياسية أو رغبة في فرض السيطرة على المحتوى.

 

انعكاسات السجن الرقمي: حرية مزعومة

 

الرقابة التي تمارسها المنصات على المستخدمين ليست مجرد تشديد على ما يُقال، بل هي سجن رقمي يؤثر على الجميع. في كل مرة نفكر فيها قبل نشر رأينا، نحن نعيش تحت ضغط السجون الخفية لهذه المنصات. فكرة أن تكون تحت المراقبة وتخشى من عواقب بسيطة قد تُفرض عليك، أصبحت جزءًا من واقعنا اليومي.

 

لكن الأشد مرارة هو أن هذه القيود، التي تُفرض باسم حماية المجتمع، في الكثير من الأحيان لا تُسهم في بناء بيئة من الحوار والنقاش، بل على العكس، قد تُساهم في دفع الناس إلى العزلة الرقمية أو حتى إلى منصات أكثر تطرفًا.

 

هل من حل؟

 

الحل يكمن في خلق توازن بين حرية التعبير وبين الحماية من المحتوى الضار.

 

أن تُسمح الأفكار بالتداول، طالما أنها لا تحث على العنف أو الكراهية.

 

أن تُدار سياسات النشر بشفافية ونزاهة بعيدًا عن الخوارزميات المتحيزة.

 

أن يُحترم حق الأفراد في التعبير دون خوف من الملاحقة أو الإلغاء الرقمي.

 

كما قال جورج أورويل في روايته الشهيرة 1984:

 

“حرية التعبير تعني أن تقول للناس ما لا يريدون سماعه.”

 

إذا لم نُحافظ على هذا الحق، فسنظل نعيش خلف القضبان، ليس فقط في صور رمزية، بل في واقعنا الذي يزداد قيودًا.

فيسبوك خلف القضبان: حرية التعبير في مواجهة الرقابة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى