ليتها تدري
بقلم/عبير حافظ
بينما كانت(هَنا) جالسة، تتصفح أحد الروايات، مستغرقة في خيالها مع الأحداث ،مندمجة مع مايدور بين أروقة الكتاب
كانت هُناك قصة أخرى تنشأ بين جنبات أحد جدران غرفة بالمبنى المقابل
في ليلة صيف خانقة طالت بارتفاع درجات حرارتها مزاجه ليضطرب ويخرج لبلكونة غرفته متأففا وقف (حسام) يشعل سيجار ،ينفث دخانه في الهواء الطلق بعيدا عن انزعاج والدته واتهامه بأنه الشريك المتآمر مع حساسية الصدر خاصتها
لايريد الخروج للجلوس برفقة أصدقاؤه كما تعود فاتخذ من بلكونة غرفتة نافذه على العالم الخارجي .. وقف بملابسه الصيفية شورت وتيشرت بنصف كم، بدت منه عضلاته والتي هدر لأجلها الكثير من الوقت بصالة الألعاب الرياضية .
وقف يتأمل تفاصيل الشارع الجديد والذي انتقل مع عائلته إليه ،منطقة هادئة راقية راقت له كثيرا
راح يستكشف البنايات المقابلة بعينيه .. فرآها بنظرة خاطفة لكنها خطفت انتباهه وجعلته يطيل النظر دون قصد .. لم يكن ذات يوم متلصصا لكنه الفضول يصاحبه الملل دفعه دفعا لمتابعة المشهد
فتاه عشرينية بملابس لا تناسب المنزل وكأنها أتت للتو من الخارج ! لايعلم إن كان محقا أم أنها ملابس جديدة (موضة) للفتيات لكنها على اية حال بدت في قمة الأناقة .. أناقة ملفتة وبسيطة في نفس الوقت .
تظهر أنوثتها ببراعة .. تمتلك جسم أقرب للنحيل لكنه متناسق
ملابسها المتحررة والتي أظهرت أكثر مما أخفت أضفت تفاصيل جديدة لم تكن لترى لو انها ارتدت الفضفاض من الزي
تجلس كقطة منزوية على كرسي وثير يحتضنها في حنو
كان كلاهما مندمج مع قصته ..
هي : تتسارع أنفاسها وتهدأ مع كل انفعالة لأبطال الرواية، يبدو أنها ذات أحداث مشتعلة؛
هو: كالمشدوه، مُنقاد نحوها مأخوذ من مُحيطه، يكاد لا يتحقق من ملامحها بشكل كافٍ لكنها كانت تجلس في وداعة ورقة متناهية.. تنبض بالأنوثة بلا مجهود…. تتفاعل دون أن تشعر مع الكلمات وتتنقل بخفة بين السطور .. بطريقة جعلته يتوقع مايجري بين يديها…
تقضم أظافرها توتراً .. ومن ثم تضرب بكفها البض مسند الكرسي في انفعالة غير محسوبة .. ثم بعد وقت ليس بقليل تهدأ وتبتسم… ومن ثم تغوص بين طيات الكرسي العميق الذي لكم شعر بالغيره منه… فجلستها تبدو رومانسية للغاية وكأن بينهما علاقة قديمة وألفة كبيرة…
يكاد (الكرسي ) أن يحتضنها عندما تتورد وجنتيها خجلاً وهي تقلب الصفحة بلهفة لتتابع مشهداً ما بداخل الرواية، مندمجة وكأن الغرفة باتت دار عرض ومابين يديها شاشة صغيرة….. حتي أنه شك للحظات أنها ممسكة ( بتابلت ) وتشاهد شيئ ما… رغم وضوح الكتاب بين راحتيها، شك اندماج.. شك ممتع يجعلك تنضم بروحك لمكان لست فيه بل وتشعر بالراحة ، لاتريد العودة. شعور يشبه متعة الإدمان… أو الاحلام.. منطقة هلامية وبقعة زمنية لم يتطرق لهاأاحد سواك…
بَدت متثاقلة وهي تعتدل في جلستها قبل أن تبعد شعرها المنسدل علي وجهها وكتفيها وترجعه للخلف ، ثم تركت الكتاب علي الكرسي ووقفت تبحث بنظرها عن شئ ما لكنها لم تجده… فبدأت تتحرك من مكانها وغابت عن المشهد..
لم يعد يرى من زاويته سوى الكتاب؛
بدى ساكناً… جمادا! شعر بوابل من الفضول يهاجمه.. وتعجب حاله وحال الكتاب والكرسي أصبحوا جميعاً بلا حراك… وكأنه أُسقط من السماء ليرتطم بالأرض دفعة واحدة…
فقد كانت وحدها من تمنح ثوابت تلك الغرفة بهجتها..
ثم بعد وقت ليس بكثير عادت من جديد.. فتطلع بلهفة الأطفال لعودة ذويه.. كانت تظهر وتختفي وهي تتحرك بين جنبات الغرفة..قبل ان تتجه نحو النافذة لتغلقها.
_هكذا بكل بساطة؟!
تمتم بذلك السؤال بصوت خافت يملؤه الإحباط
وقبل أن يدخل دوامة من الأفكار عاد متوتراً للداخل وكأنه يحتمى بغرفته ..
تناول علبة السجائر بأصابع مرتعشة يتناول واحدة بحركة آلية دون الشعور بلذة تقبيلها كما اعتاد ، وبحركة لا إرادية إتجه نحو الشرفة مرة أخرى حتي ينفث الدخان في الهواء، لكنه تراجع كي لا يتذكر أنها لازالت بالداخل، تجلس بين طيات ذلك الكرسي المحظوظ أكثر منه وبطريقتها الخاصة التي آثارته دون أن تدرى وليتها تدري
ردد ذلك بينه وبين نفسه قبل أن يستسلم لفكرة انه حدث عارض..
علي أمل أن يتكرر قريباً.