
هنا نابل همسات فايسبوكية صباحية كبرنا بهدوء … وهرمنا بوقار
بقلم المعز غني
كبرنا ، لا كما تكبر الأشجار في فصولها الأربعة ، بل كما تنام الأغاني في الذاكرة ، وتستفيق على دمعة.
كبرنا ، ولم يوقظنا جرسٌ ولا نداء ، فقط إستيقظنا ذات صباح على ملامح غريبة تسكن وجوهنا ، وعلى قلوب باتت تنبض بهدوء يشبه الإنطفاء.
كبرنا ، حين ودّعنا ضجيج الطفولة دون أن نلوّح ، حين فقدنا شغفنا بالأسئلة الكثيرة ، ورضينا بالصمت جوابًا وصارت أحلامنا أكثر حذرًا ، وإبتسامتنا تُوزَّع بخفّة كأنها تخشى أن تُستهلك . بتنا نمرّ على الأشياء الجميلة كما يمرّ العابر على نافذةٍ مضيئة ، لا يطرق ، لا ينتظر ، فقط يكتفي بالنظر ثم يمضي …
كبرنا ، دون أن ننتبه أن الزمن يمشي خفيفًا على أطراف الحنين. كبرنا ، لا كما تكبر السنون في دفاتر الميلاد ، بل كما يكبر الصمت في قلوب خذلها الكلام.
في البداية ، ظننا أن الحياة طويلة بما يكفي لنؤجل الأحلام ، لكننا إكتشفنا أنها تمضي بسرعة النظرة الأخيرة.
كبرنا بهدوء ، حين بدأت الأيام تتشابه ، حين صار الفرح يتخفّى خلف واجباتنا ، وصار الحزن مقيمًا لا يطرق الأبواب.
كبرنا بهدوء … حين صرنا نُخفي الدمع خلف ضحكات مجاملة ، ونختار العزلة بدل التبرير.
لم نعد نركض خلف كل شيء ، بل بتنا نختار بعناية : من نحب ، ما نمنح ، وإلى أين نذهب.
أصبحنا نعرف قيمة الراحة ، ووزن الكلمة ، ومرارة الندم.
وهرمنا بوقار … لم تنحنِ أرواحنا ، بل أعتدلت في حضرة التجربة صار فينا نضجٌ يُقرأ من عيوننا ، وثقلٌ جميل في صوتنا ، يشبه صوت من عرف معنى الإنتظار ، ثم إختار السلام.
لم نعد نبحث عن الضجيج ، بل عن السكينة، ولم نعد نلهث وراء كل بابٍ مفتوح ، بل نطرق فقط ما يُشبهنا فقط لقد صرنا نؤمن أن الهدوء حياة ، وأن الوقار لا يعني الضعف ، بل يعني أننا وصلنا … بعد أن تعبنا كثيرًا من الطرق الطويلة.
كبرنا بهدوء وهرمنا بوقار … بينهما عشنا ألف عمرٍ في روح واحدة.
هرمنا حين صار الحنين ضيفًا لا يغادر ، والذكريات تنام فوق وسائدنا كأطفال يتامى.
هرمنا حين صرنا نحبّ الأشياء بصمت ، ونشتاق دون أن نُخبر ، ونغادر الأماكن دون أن نترك أثرًا.
تغيّرنا ، لا لأنّ الحياة أرادت ، بل لأننا تعبنا من الركض خلف أشياء لا تعود ، وأشخاص لا ينتبهون ومع ذلك ، هرمنا بوقار.
لم تنكسر أرواحنا ، بل تلثّمت بالحكمة ، واتّشحت بالصبر وصار في أعيننا حزن نبيل ، وفي كلماتنا دفءُ من عرف الألم وصادقه.
لم نعد نحزن على ما فات ، بل نبتسم له برفق ، كما يبتسم الشيخ لطفلٍ شقيّ.
هنا نابل همسات فايسبوكية صباحية كبرنا بهدوء … وهرمنا بوقار
كبرنا بهدوء …
وهرمنا بوقار …
وكأن العمرَ أنشودةٌ بدأت صاخبة ، ثم خفُتَ لحنها لكنها ما زالت تُقال على مهل ، بكل ما فيها من صدقٍ وجمال .