محمد كمال
يكتب/ بقاء.. على أمل.
فتح عينيه ببطء وصعوبة نصف فتحة؛ الشمس متقدة، ولا يكاد يرى السماء. تحاشى أشعتها الحارقة ونظر: السماء صافية تمامًا. رنا للأفق البعيد: صحراء شاسعة ممتدة في كل اتجاه، ورمال سفيفة منبسطة، لا بناء هنا أو هناك، لا أحد، لا أثر.. سوى شجرة وحيدة التقطتها عيناه.. في البعيد.
سار نحوها، تغوص قدماه في الرمال، فيترنح في سيره. مهمومًا يفكر؛ ثم ماذا بعد أن أصلها؟
لا يفهم شيئًا، كيف أتى إلى هنا، ومن الذي أتى به؟ لكنه استمر في التحرك باتجاه الشجرة، وذلك على الرغم من جهله بما يصير، وعلى الرغم من تعبه ووهنه. لكنها على الأقل، شجرة.. في صحراء.
وصل.
تأملها.
لم يعرف نوعها. لكنها خضراء نضرة، أغصانها قوية وأوراقها كبيرة، وثمرتها الغريبة ناضجة. كأننا في الربيع، وكأن الشجرة في بستان!
وارفة الظلال. جلس في فيئها. استراح، أسند ظهره ورأسه لجذعها، تملى في داخلها من الأسفل، ولم يكن يفكر في شيء.. فنام.
أفاق سريعًا، وسريعًا هب من مكانه وتحرك بضع خطوات ونظر حوله، غضب، وحزن، ورغب في البكاء. شعر بالظلم، والقهر، والعجز.. لأنه لا يفهم.
عاد وجلس تحت الشجرة وأوزى ظهره لجذعها، وهدأت أفكاره، واستكانت مشاعره؛ ليس في يده فعل شيء.
وبعد ساعات قرصه الجوع، وشعر بالعطش.
ارتقى الشجرة وأوقع بضع ثمرات. ثم نزل وجمعها، أمسك بواحدة بين يديه وتفرسها، ولم يعرف نوعها. لكنه أحب مذاقها، ورائحتها حين أخذ قضمة، فالتهم منها الكثير. سد جوعه وعطشه؛ إذ بداخلها حبات كحبات الرمان، يأكلها فتفجر ماءٌ حلوٌ يروي.
واستمرت الحال هكذا لثلاثة أيام كاملة، ينام، يستيقظ، يجوع ويعطش، يأكل ويرتوي من ثمرات الشجرة الوفيرة. يتحرك، يبتعد قليلًا عن الشجرة، يلف بجسده يرنو في كل الاتجاهات.. لا أثر لأحد، ورمال حمراء ملتهبة ممتدة إلى ما لا نهاية!
في اليوم الرابع، كاد أن يبكي؛ الوحدة تقتل، والجهل بالمصير يقتل أكثر.
في عصر ذلك اليوم، الرابع، وقف تحت الشجرة كثيفة الفروع والأوراق والثمار وخاطب نفسه في نفسه: لن أجوع ولن أعطش هنا. ثم بصوت مسموع: لكني ربما، مع ذلك، أموت!
طرد عن خاطره هاجس الموت، وجلس في ظل الشجرة، عند الأصيل، يلهو بإصبعه في الرمال، يرسم خطوطًا ونقاطًا. وبعد قليل توقف، وجد شخصًا ممددًا تحت شجرة.
وكانت هذه الرسمة.. آخر ما رأته عيناه.. للأبد.