
آراء الفقهاء في مظنة الخروج من الوضوء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة وهادي الأمة صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن نواقض الوضوء، وقيل أن من موجبات الوضوء هو مس الفرج من غير حائل، وقيل من بعض آراء الفقهاء أن مظنة الخروج من الوضوء هو سببها الشهوة وليس المس، ومع ذلك لو إنتصب ذكره بشهوة، لم يجب عليه الوضوء مع كونه مظنة لخروج الخارج، ولا ينتقض وضوءه حتى يتيقن الخارج، وهذا دليل على أن إنتقاض الوضوء من مس الذكر ليس سببه الشهوة.
فإن قيل إن مس الذكر باليد مع إنتشار الذكر قد يساعد في خروج الخارج، قيل لو إنتشر الذكر لشهوة ومسه فخذه أو أي عضو من أعضائه غير يده، لم يجب عليه الوضوء، مع أن ذلك عامل مساعد لخروج الخارج، بل لو مسه بيده مع حائل لم ينتقض وضوءه، فهذا دليل على أن إيجاب الوضوء لم يكن سببه الشهوة، ولا مظنة خروج الخارج من الذكر، وأن الذكر بضعة منا، سواء مسسناه بشهوة أو بغير شهوة، فهل إذا مس ذكره بشهوة لا يكون بضعة منه؟ وكما أن قيد الشهوة لم يرد في الدليلين، الموجب للوضوء وغيره، فحديث بسرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ” من مس ذكره، فليتوضأ” أين قيد الشهوة من الحديث؟ وكذا بقية الأحاديث الآمرة بالوضوء من مس الذكر، وحديث طلق في الرجل يمس ذكره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” وهل هو إلا بضعة منك؟”
فهو بضعة من الجسد سواء مس بشهوة أو بغير شهوة، فقيد الشهوة قيد لما أطلقه الشارع بغير دليل، وأما دليل من قال ينقض مس الذكر بباطن الكف دون ظاهره فقد إستدل الشافعية بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم “إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وجب الوضوء” وقال الإمام الشافعي الإفضاء باليد إنما هو ببطنها كما تقول أفضى بيده مبايعا، وأفضى بيده إلى الأرض ساجدا، أو إلى ركبتيه راكعا، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالوضوء إذا أفضى به إلى ذكره، فمعلوم أن ذكره يماس فخذيه، وما قارب ذلك من جسده، فلا يوجب ذلك عليه بدلالة السنة وضوءا، وقال الإمام النووي قال ابن فارس في الجمل أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها براحته في سجوده، ونحوه في صحاح الجوهري وغيره.
ولأن ظهر الكف ليس بآلة لمسه، فالتلذذ لا يكون إلا بالباطن، فالباطن هو آلة مسه، وقال الحافظ في التلخيص “إحتج أصحابنا بهذا الحديث في أن النقض إنما يكون إذا مس الذكر بباطن الكف لما يعطيه لفظ الإفضاء لأن مفهوم الشرط يدل على أن غير الإفضاء لا ينقض فيكون تخصيصا لعموم المنطوق، لكن نازع في دعوى أن الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف غير واحد، وقال ابن سيده في المحكم أفضى فلان إلى فلان، أي وصل إليه، والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف أو باطنها، وقال الإمام ابن حزم الإفضاء يكون بظهر اليد كما يكون ببطنها، وقال بعضهم الإفضاء فرد من أفراد المس، فلا يقتضي التخصيص” وهذا هو الحق لأن اليد تطلق على الكف كلها، حيث قال الله تعالى ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ”
آراء الفقهاء في مظنة الخروج من الوضوء
والقطع إنما هو للكف، وكما قال الله تعالى ” فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ” وإنما يمسح الكف كما دل عليه حديث عمار في الصحيح، فإذا ذكر الإفضاء بباطن الكف، وهو فرد من أفراد المطلق لم يقتض تقييدا للمطلق، وقال الإمام ابن حزم وحتى لو كان الإفضاء بباطن اليد، لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء، فكيف والإفضاء يكون بجميع الجسد؟ وقال تعالى ” وقد أفضي بعضكم إلي بعض “