
أبحث عن ذاتي …! مفقودٌ أنا …
هنا نابل بقلم المعز غني
هكذا ببساطة ، دون مقدمات ودون تعاريف أو مبررات.
أقف أمام مرآتي فلا أرى سوى ظل إنسانٍ ، وجهٌ تعب من تقليد الإبتسامة ، وعينان أرهقهما السهر واللا جدوى …
أسأل نفسي: من أنا؟ ولا يأتيني جواب ، كأنني غريب في جسدي ، عابر سبيل في حياتي …
أبحث عن ذاتي.
أين تاهت تلك الذات؟
هل بين إخفاقاتي؟ تلك التي راكمتها الأيام وجعلتني أظنّ أنني لا أصلح لشيء سوى الخيبة؟
أم بين أحلامي، التي كنت أعلّقها كفوانيس طفولية على سقف روحي ، ثم إنطفأت واحدةً تلو الأخرى؟
أم أنني ضيعتها بين طموحاتي الكثيرة حين كنت ألهث خلف كل شيء ، فلا أدرك شيئًا وأفقد نفسي في الزحام؟
أنا أبحث عن ذاتي …
أنا طفلًا ٌ شابّ قبل أوانه ، كبرت قبل أن أتعلم كيف ألهو ، فهمت العالم قبل أن يحتويني ، تحملت ما لا يحتمله قلبي الصغير ،
ثم بقيت أحمل الملامح القديمة لطفلٍ لم يُكمل دهشته ولا لعبته المكسورة.
أنا…
مغرمٌ بعشق المستحيل ، أحببت الحلم رغم خيانته وسجدتُ على رمالٍ لم تكن أرضًا ، غُصتُ في بحورٍ بلا ماء وبنيت قصوري في الهواء وصدّقتُ السراب.
أبحث عن ذاتي …! مفقودٌ أنا …
أنا…
حبيبٌ مخدوع ومخدوعٌ لا يزال يحب ، خذلتني القلوب التي منحتها عمري لكن قلبي ما زال ينبض ، ما زلت أحيي الأحلام أملاً
كي أُبقي على القلب حيًّا ، فالموت ليس موت الجسد ، إنما موت الرجاء.
آه ثم آه … ثم آه
أنا كل هذا وفي إجازة من ذاتي ، من قلبي ، من عالمي.
كأن الحياة قررت أن تمنحني فسحة للضياع ، فسحة لأتأمل رمادي المتطاير ، ولأسأل سؤالاً لا جواب له :
أين أنا منّي؟
من يكون هذا الشخص الذي يحيا بإسمي؟
ومن يسكنني وأنا لا أراه؟
أبحث عن ذاتي …
في الصور القديمة ، فلا أراها.
في دفاتري ، فلا أقرأ شيئًا سوى وجعٍ باهت.
في كلمات أحبتي ، فأسمع أسماءً لا تشبهني .
أبحث في الشوارع في الوجوه ، في المرايا ولا أجد سوى صدى صوتٍ يقول: ” لم تكن يومًا هنا “.
أحيانًا أظنّ أني شُطبت من رواية الحياة كأنني فقرة محذوفة من كتاب الكون ، مررتُ مرور الغياب وكتبتَني الأقدار بالحبر السري.
لكنني رغم كل شيء لا زلت أبحث ، لا زلت أؤمن أن هناك ذاتًا تائهة تنتظرني في آخر نفق،
في سطرٍ من كتابٍ لم أقرأه بعد ، في لحظة صفاء لم تأتِ، في قلبٍ صادقٍ لم يخذلني بعد …
سأظل أبحث، حتى أجدني.
فأنا وإن كنت مفقودًا الآن ، إلا أنني ما زلت حيًّا …
والحيّ لا يتوقف عن الحلم.