مقالات

أرقى مقامات الأعمال وأسمى غايات الأحوال 

أرقى مقامات الأعمال وأسمى غايات الأحوال 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

أرقى مقامات الأعمال وأسمى غايات الأحوال

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد لقد كان الرسول المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم باكيا، حيث أن البكاء فضيلة عند رؤية التقصير أو خوف سوء المصير، وهو محمدة إذا تذكّر العبد ربه وخاف ذنوبه، ودليل على تقوى القلب وسمّو النفس وطهر الضمير ورقة العاطفة، وقد مدح الله تعالي رسله بالبكاء فقال تعالي ” إذا تتلي عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ” ووصف أولياءه الصالحين بأنهم ” ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ” ولام سبحانه وتعالي أعداءه على القسوة والغلظة فقال تعالي ” أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون” وأثنى على قوم فقال. 

 

” وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ” وسيد الخاشعين لرب العالمين، وإمام الخائفين من مالك يوم الدين هو خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان نديّ الجفن وسريع العبرة، وسخيّ الدمع ورقيق القلب وجياش العاطفة ومشبوب الحشا، فتنطلق دمعته في صدق وطهر، ويسمع نشيجه في قنوت وإخبات، يترك بكاؤه في قلوب أصحابه آثارا من التربية والإقتداء والصلاح ما لا تتركه الخطبة البليغة والمواعظ المؤثرة، فهو يبكي صلى الله عليه وسلم عند تلاوة القرآن، فقد قام ليلة من الليالي يكرر قوله تعالى ” إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ” فيبكي غالب ليله، وهو يبكي عند سماع القرآن، فقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن مسعود “اقرأ عليّ القرآن” 

 

قال كيف أقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال ” اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري” فيقرأ ابن مسعود من أول سورة النساء، حتى بلغ قوله تعالي ” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا ” قال ” حسبك الآن” فنظرت فإذا عيناه تذرفان” رواه البخاري ومسلم، فهو يخشع صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن، فقد صح أنه قام ليلة يستمع لأبي موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن ثم قال له في الصباح ” لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود” رواه البخاري ومسلم، فيقول أبو موسى لو كنت أعلم أنك تستمع لي لحبّرته لك تحبيرا، أي جوّدته وحسنته وجمّلته، وهذه الزيادة أخرجها البيهقي، وقال عبدالله بن الشخير في حديث صحيح ” دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وبصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وهو القدر إذا استجمع غليانا ” 

 

ويحضر صلى الله عليه وسلم جنازة ابنته زينب، ويجلس على القبر وتذرف عيناه من هول المنظر، وتذكر العاقبة والتفكير في ذلك المصير، وأصحابه يشاهدون هذا المشهد المؤثر المعبّر منه صلى الله عليه وسلم، ويخبر صلى الله عليه وسلم بفضل البكاء من خشية الله، فيذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ” ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه” رواه البخاري ومسلم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ” عينان لا تمسّهما النار أبدا عين بكت وجلا من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله” رواه الترمذي، فالبكاء السنّي الشرعي ما كان من خوف الله عز وجل، وتذكّر القدوم عليه والوقوف بين يديه والتفكير في آياته الشرعية والكونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى