مقالات

أفكار بصوت مرتفع

جريدة موطني

أفكار بصوت مرتفع
زينب كاظم

أفكار بصوت مرتفع
نبذة عن الصحفي حيدر البصير
قبل أيام قلائل طل من على شاشات التلفاز انسان حقيقي أنيق الفكر باهض العطاء عاطر الطلة جميل الأحساس راقي الكلام مهندم الخلق متدين حقيقي وليس تنظير لا يبيع الأحلام بل يهب السعادة بهيئة حروف له فلسفة عميقة بالحياة ونظرته لها يمكن أن يطلق على فلسفته فلسفة الواقع والسلام وهذا الشاب هو الصحفي حيدر البصير الذي لم يكن شخصا عاديا ولا رقما يضاف إلى نسمات الوطن أسدل الليل أستاره على بصره فظل يتعكز بصيرته وهو يرى ما لا يرى متخذا من حاسته غير الطبيعية شراعا لسفن أمله التي أبحر بها وسط الظلمة ،الموج يعلو وينخفض وروحه مثل بحار عتيد لا تتعب ولا تمل من المحاولة حتى يأس اليأس منه ورسى بسفينة أحلامه في موانئ الحلم ،انسان علم نفسه بلا معلم عدا بعض الأمور التي كان يستشير بها بعض المقربين منه جدا ،أنسان يملك إمكانيات مذهلة ينتصر على الأعاقة وأصلا الأعاقة لم تشكل عقبة اطلاقا له وخاض غمار أصعب مهنة وهي الصحافة والأذاعة وكان دوما يمتلك معجبين وليسوا مشفقين هناك فرق كبير لأنه كان صاحب صوت وحضور المذيع المتكامل ،أختار الأعلام ليكون طريقا له في نشر رسالته لمجتمع يراه قاسيا في التعامل مع أمثاله وهو يعلق على حائط الرجاء كل أمنياته التي لم تكن كبيرة ،كان الوقت يشير إلى نهاية مرحلة مظلمة حينما استقرت سفنه على حيطان يطلق عليها البعض باللهجة الدارجة (الكرفان)وهو مكان بسيط جدا يشبه كوخ صغير كان يعيش فيه لكنه كان يسميها وطنه الصغير أنه فعلا وطن لكنه بحجم الحلم ،كانت طفولته نحتا في الصخر لم يشعر به إلا الراسخون في الألم لأنه وكما أشار هو في العديد من اللقاءات التلفزيونية بأننا اجتماعيا نفتقر لثقافة التعامل السوي مع ذوي الأحتياجات الخاصة مثلا مع شخص كفيف بل حتى الأهل لا يعلمون ولدهم بأنه مميزا وليس ناقصا .
بدأ طفولته بلا بوصلة توجه خطاه إلى ما يريد ولم يكن ثمة من يصحح له أخطاؤه وكانت حياته تسير بخطين متوازيين خط يسير به نحو الهاوية وخط يسير به حيث الإرادة ودوما كان يردد أنا وكل من هو يشبه حالتي لنا طريقين لا ثالث لهما أما نكون متسولين في الطرقات وأما أن نصنع لنا مجدا مثل طه حسين ،وهو عبارة عن ملهم ومدرسة متنقلة فكان ينصح دوما بأن يثقف الأنسان ذاته ويسمع غيره ليس عيبا أن يكون للإنسان مثل أعلى أو أن يتحلى بالمنافسة الشريفة لتكون له دفعة إيجابية لتطوير ذاته ومن أشهر ما قال جميل أن تتخصص لكن الأجمل أن تكون مقدما شاملاً .
هذا الأنسان تحدى كل من قال له لن تستطيع فمثلا قالوا له لن تفلح بكرة القدم فتحدى ذاته واختار مكانا في كرة القدم يليق به فصار حارس مرمى يوما ما ،أنه أعطى ملاحظات من صميم قلبه للناس أصحاب الحواس الكاملة والنظر السليم بأنهم يمتلكون كل الحواس لكنهم لم يفعلوها فمثلا الأسوياء في الظلام يبدأؤن يفعلون حاسة اللمس كي يتحسسوا الأشياء لكن حيدر أخذت منه حاسة البصر ومنحه الله البصيرة فعرف تفعيل حاسة اللمس بشكل كبير بالإضافة إلى أن الله عز وجل منحه إحساسا عصبيا عاليا وحسب تقييم الأطباء أذ أكد كبار الجراحين أن مكفوفي البصر لهم احساس عصبي يفوق احساس المبصرين من ستة إلى سبعة أضعاف .
أثناء رحلته للبحث عن ذاته أكتشف أنه له مؤهلات تفوق تلك التي عند الآخرين والفرق بينهم أن حيدر اكتشفها مبكرا والاخرين ربما لم يكتشفونها إلى الآن .
أنه متمكن من اللغة العربية بشكل فريد وكذلك يعرف يتحدث بالإنجليزية لذلك كل ذلك سهل له التعامل مع تطبيقات الأنترنيت بشكل كبير .
أن الدخول الى بوابة الأعلام كانت أجمل صدفة يعيشها حيدر ذلك الفتى الذي كان حينها لم يتجاوز ربيعه السادس عشر وهو يحفظ نشرة الأخبار ويعيد قراءتها من جديد ويسجلها بصوته ويعيد الإستماع اليها .
أن حيدر واحد مئات الحالات من ذوي الأحتياجات الخاصة الموجودة في العراق لكننا نعتبره حالة فريدة لأنه يملك إرادة قل نظيرها وطاقة عملاقة وموهبة فريدة تفوق القدرة الذهنية التي يعرفها البشر وهي ليست قدرة جسدية بل موهبته تكمن في أنه يسمع ويحفظ ليقرأ لذلك برع في الإذاعة وهذا له أساس بكل تأكيد لأنه ومنذ الطفولة كان يحفظ نشرة الأخبار ويسجلها في جهاز تسجيل كان متوفرا سابقا وكان مولعا بالصوتيات منذ نعومة أظفاره إذ كان مثلا يسمع حتى نشرات الأخبار الدولية و يحفظها ومن ثم يسجلها ليراجع صوته وقد تحدى الإعاقة بهذا وأصبح يقرأ نشرة الأخبار على الهواء مباشرة وبلا أخطاء وبكل ثقة وأن اخطأ وجل من لا يخطئ يعيد القراءة بابتسامة لطيفة وقفشة جميلة ومن ثم يصحح بلا أي تلكؤ أو احراج وكان يقرأ نشرة الأخبار حتى بدل زملاؤه الذين يحدث لهم عارض مفاجيء فيعتذروا عن قراءتها تقرأ أمامه مرة واحدة فترسخ بباله ويعيدها رغم أنه هناك مذيعي اخبار أحيانا يكون أمامهم جهاز لنقل الأخبار وأمامهم ورقة مكتوب فيها الأخبار ويخطئون أما هو لا يخطأ لا باللغة ولا بمخارج الحروف ولا بنقل الخبر بصورة عامة ،فلم يكون ذلك صعبا على فتى لا يملك سوى موهبته وإحساسه العالي بالموجودات من حوله ارتبطت حياته بالنور بصورة أو بأخرى حتى أن أول إذاعة عمل بها كان إسمها إذاعة النور فأعد لها برنامجا خارجيا فبدأت رحلته من تلك النقطة المضيئة ،ولم يكن يشعر من حوله أنه يفتقد حاسة البصر اطلاقا رغم أن حاسة البصر هي من تري الأنسان الحياة وهي بوابة القلب لذوي البصر لكنه يشعر بالآخرين من خلال نبرة صوتهم أو رائحتهم ويقيم الأعمال بشكل راقي وهو صاحب صوت شجي حتى بقراءة القرآن الكريم وهو كذلك معلقا رياضيا ناجحا جدا ،لم تكن رياحه تجري الا بما تشتهي سفن روحه وهي تحرك موهبته تجاه هذا العمل الذي عشقه كثيرا على الرغم من صعوبته الكبيرة ،هذا الإعلامي الشاب سطر قصته بحروف من نور على جدار الأيام وما زالت أصابعه تشير إلى أول راديو تعرف عليه في حياته التي بدأت بعثرات كبيرة لكنه استطاع بإرادته التي لا تعرف المستحيل أن يتجاوزها وكأنه يقفز مراحل الزمن قفزا حتى بات محط إعجاب الآخرين وقد حصل على العديد من الجوائز والشهادات منها جوائز أفضل مقدم برامج، فكان دوما استثمارا وليس دعما دوما يعني أي جهة أرادت أن تتعامل مع هذا الأنسان يجب عليها أن تستثمره بشكل جيد لصالحها ولصالحه هو أيضا لأنه يمتلك إمكانيات جبارة فالكثير من الأعلاميين الذين يمتلكون حاسة البصر لا يمتلكون ربع إمكانياته مع جل احترامنا للجميع إذ أنه يتقن سبعة لغات و يجيد كل شيء يخص الأعلام ، وكأنما كان كل ما يمتلك حيدر رسالة من الله عز وجل ليخبره بأنه أخذ بصره ووهبه نعما كبيرة لا تعد ولا تحصى ،هذا الأنسان دمث الخلق طيب القلب متواضعا متدينا عاقلا راكزا بسيطا محبوبا قريبا من الله عز وجل وفقه الله ووفق الجميع .أفكار بصوت مرتفع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى