
أفنى عمره دعوة ونصحا وبيانا وبلاغا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله وكفى، والصلاة على النبي المصطفى، ومن بآثاره إقتفى، وبعهد الله وفى، وسلام على عباده الذين إصطفى وبعد لقد كان رسول الله المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم صادق النصح لأمته صلى الله عليه وسلم أفنى عمره دعوة ونصحا وبيان وبلاغا فنصح أعظم النصح وبلغ غاية البلاغ فهو من قال الله له ” يا أيها المدثر قم فأنذر ” وإنها دعوة السماء وصوت الكبير المتعال فهي قم يا محمد صلي الله عليه وسلم، أي قم للأمر العظيم الذي ينتظرك والعبء الثقيل المهيأ لك، وقم للجهد والنصب والكد والتعب، وقم فقد مضى وقت النوم والراحة، وقم فتهيأ لهذا الأمر وإستعد، وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه صلى الله عليه وسلم من دفء الفراش، في البيت الهادئ والحضن الدافئ، لتدفع به في الخضم بين الزعازع والأنواء وبين الشد والجذب في ضمائر الناس.
وفي واقع الحياة سواء، وإن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا، ولكنه يعيش صغيرا ويموت صغيرا، فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير، فماله والنوم وماله والراحة وماله والفراش الدافئ والعيش الهادئ والمتاع المريح، ولقد عرف رسول الله المصطفي صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدره فقال للسيدة خديجة رضي الله عنها وهي تدعوه أن يطمئن وينام ” مضى عهد النوم يا خديجة ” أجل مضى عهد النوم وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق، بل بلغ به الأمر أن يعجز عن الصلاة قائما، فعن عبد الله بن شقيق قال قلت للسيدة عائشة رضي الله عنها أكان يصلي جالسا قالت بعد ما حطمه الناس” رواه أحمد، فما أعظم المنة بمبعثه عليه الصلاة والسلام، وكان من عظيم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، أن قال تعالى ” وإنك لعلي خلق عظيم ”
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وقال الإمام السعدي رحمه الله عند قوله تعالى” وإنك لعلي خلق عظيم ” أي عاليا به، مستعليا بخلقك الذي من الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه فقالت “كان خلقه القرآن” وذلك نحو قوله تعالى له ” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ” وكما قال له ” فبما رحمة من الله لنت لهم ” وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على إتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، والآيات القرآنية الحاثات على الخلق العظيم فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان صلى الله عليه وسلم سهلا لينا، قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من إستقضاه، جابرا لقلب من سأله.
لا يحرمه، ولا يرده خائبا، وإذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان صلى الله عليه وسلم يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان صلى الله عليه وسلم لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلي عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الإحتمال صلى الله عليه وسلم، وقال ابن القيم رحمه الله ” ومما يحمد عليه ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم فإن من نظر في أخلاقه وشيمه علم أنها خير أخلاق الخلق وأكرم شمائل الخلق فإنه كان أعلم الخلق وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا وأحلمهم وأجودهم وأسخاهم وأشدهم إحتمالا وأعظمهم عفوا ومغفرة وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
أفنى عمره دعوة ونصحا وبيانا وبلاغا