الدكروري يكتب عن إتهام الإمام بن مسلم الكوفي بالتساهل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر الكثير عن الإمام العجلي وهو أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح، وقيل إن من أدلة من اتهموا العجلي بالتساهل، قيل ثلاثة أمور، وهي كثرة توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاما، ومخالفته لغيره من أئمة النقد بتوثيقه رواة جهلهم غيره أو ضعفهم أو تركهم، وعدم اعتماد الحافظ ابن حجر لتوثيق العجلي إذا انفرد، وكان هناك الرد على هذه الشبه من وجوه، وهو أما عن توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاما، فما وجه دلالته على تساهله ؟ وهل تزيد على أن أعلنا جهلنا ؟ وأننا عجزنا أن نعرف حال الراوي إلا من طريق العجلي ؟ ثم إن كان هذا دليلا على تساهل العجلي، فلن ينجو إمام من أئمة الجرح والتعديل من أن يكون متساهلا كالعجلي، لأنه لا يخلو إمام خاصة المكثرون من نقد الرواة.
من أن نجد له توثيقا لراوي لم يتكلم فيه غيره، فوصف يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، والبخاري، بالتساهل إذن بنفس الحجة التي وصفت بها العجلي بذلك، وأما عن مخالفة العجلي بتوثيقه لرواة جهلهم غيره من الأئمة فمتى يكون من عنده زيادة علم مقدما على غيره، إذا لم نقبل توثيق العجلي في هذه الحالة؟ وإن قول الإمام عن راوي إنه مجهول إعلام من الإمام عن عدم معرفته له، وإعلان منه أنه لا يخبر حاله، فإذا قال إمام آخر عن ذلك الراوي إنه ثقة فليس في ذلك مخالفة أصلا، ولا هذه المسألة من مسائل تعارض الجرح والتعديل، لأن من جهل الراوي توقف عن الحكم عليه بالثقة والضعف أيضا، لعدم معرفته له، ومن وثقه عرفه، وعرف من حاله ما يستحق التوثيق، فأصدر هذا الحكم عليه.
وهنا نقول من كان عنده علم حجة على من لم يكن عنده علم والعجلي إمام كبير، أكبر سنا وأعلى إسنادا من الإمام البخاري، وكان يقرن بالإمام أحمد ويحيى بن معين في العلم، كما سبق، فمثله لا ينكر عليه أن يعرف من يجهله غيره من أئمة النقد، ولا يستغرب منه أن يكون حجة على عدم علم غيره من حفاظ الحديث، وأما عن مخالفة العجلي بتوثيقه لرواة ضعفهم غيره أو تركهم سواء فمن نجا من الأئمة من مثل ذلك ؟ وإن اختلاف اجتهادات الأئمة في الرواة جرحا وتعديلا واقع واضح وضوح الشمس لكثرته تكرره، ولجميع الأئمة، فلن تجد إماما إلا وقد وثق من ضعفه غيره أو ضعف من وثقه غيره، وربما كان الصواب مع من وثقه، وربما كان العكس، فلا كون الصواب مع الموثق بالدليل الكافي لوسم المضعف بالتشدد.
ولا كون الصواب مع المضعف بالبرهان الصحيح على اتهام الموثق بالتساهل وإلا لن يخلو إمام من أن يكون متشددا متساهلا في آن واحد، لأنه لن يخلو إمام من أن يوثق من الصواب ضعفه أو يضعف من الصواب توثيقه، وأما عن عدم اعتماد الحافظ ابن حجر علي توثيق العجلي، فإنه ليس بصحيح مطلقا، بل اعتمده مرات كثيرة، خاصة مع توثيق ابن حبان، فها هو قد ذكر حفص بن عمر بن عبيد الطنافسي في التقريب وقال عنه ثقة مع أنه لم يذكر في التهذيب له موثقا غير العجلي، وهاهو يقول عن أم الأسود الخزاعية في التقريب بأنه ثقة مع أنه لم يذكر أن أحدا تكلم عنها في التهذيب غير توثيق العجلي، ولما ذكر الحافظ في التهذيب، البراء بن ناجية الكاهلي، وتوثيق العجلي وابن حبان له.
مع قول الذهبي عنه فيه جهالة لا يعرف، تعقب الحافظ قول الذهبي بقوله قد عرفه العجلي وابن حبان فيكفيه، وأمثلة ذلك كثيرة جدا، ولذلك أيضا أمثلة كثيرة، فليس عدم اعتماد الحافظ لتوثيق العجلي في مواطن قاضيا على اعتماده عليه في مواطن أخرى بل العكس هو الصواب، لأن العجلي إمام من جلة أئمة الجرح والتعديل كما سبق من كلام الأئمة عنه فبأي حجة نعرض عن اعتماد قوله في راو لا مخالف له فيه أصلا ؟ ونقول في هؤلاء الرواة الذي لم يعتمد الحافظ فيهم توثيق العجلي ما نقوله تماما في رواة وثقهم يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم، وذكر الحافظ ذلك عنهم في التهذيب مع ذلك قال الحافظ عن هؤلاء الرواة الذين وثقهم أولئك الأئمة وأمثالهم في بعض الأحيان مقبول.
فهل نقول إن الحافظ لا يعتمد توثيق أولئك الأئمة ؟ أم نلتمس الأعذار للحافظ ؟ ونقول لعل له اجتهادا، أو لعله سبق قلم، أو هو خطأ معذور صاحبه مأجور إن شاء الله تعالى، والصواب أنه قال ذلك، لأن هؤلاء الرواة قليلو الراوية، ولم يرو عنهم سوى واحد في الأكثر، وهي مرتبة تعديل وليست مرتبة جرح، وهكذا كان العجلي هو الإمام، الحافظ، الأوحد، الزاهد، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي، الكوفي، نزيل مدينة طرابلس المغرب، مولده بالكوفة، عام مائة واثنين وثمانين من الهجرة، ووفاته سنة مائتان وواحد وستين من الهجرة.