
إياكم والإستنان بالرجال
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وإمتنانه وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه، أما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون وبعد إن الإرجاء في لغة العرب هو التأخير، حيث قال الله تعالى ” قالوا أرجه وأخاه ” أي أمهله وأخره، ولقبوا بالمرجئة لبدعتهم لمّا أرجأوا العمل عن الإيمان، أي أخروه، فأخرجوا العمل عن مسمّى الإيمان وهذا هو جامعهم وهذا مخالفة لصريح القرآن والسنة وخرق لإجماع السلف الصالح وقد أشبع العلماء هذه القضية بحثا والدلائل متواترة في كون العمل داخلا في مسمى الإيمان وأن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وبعضهم يلتزم بلازم القول بإخراج العمل عن مسمّى الإيمان.
فيزعم أن الإيمان لا تضره معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وإن كانت هذه المقولة لا يمكن نسبتها إلى فرقة معينة من فرق المرجئة كما بيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وأشهر أقوال المرجئة في الإيمان ثلاثة، فالأول هو أن الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته، وهو قول الجهمية ومن وافقهم، والثاني وهو أن الإيمان مجرد قول اللسان فقط، وإن لم يكن معه إعتقاد قلب وهو قول الكرامية، وقد اندثر، وأما عن الثالث وهو أن الإيمان قول اللسان وتصديق القلب، وهو قول مرجئة الفقهاء، فعمل الجوارح خارج عند جميع المرجئة عن مسمى الإيمان، والإيمان عندهم مستوى ثابت لا يزيد ولا ينقص ويلزم من ذلك أن إيمان شر الخلائق كإيمان خيرهم، أما أهل السنة والجماعة فيعتقدون أن الإيمان قول وعمل وإعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
والقسمة في القول والعمل رباعية وهو قول القلب وعمله وقول الجوارح وعملها، فقول القلب كأركان الإيمان الستة وعمل القلب كالحب والبغض والرضا والتوكل وقول الجوارح أي باللسان كالذكر والدعاء والأذان وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعمل الجوارح كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد، وقال إبراهيم النخعي رحمه الله محذرا من بدعة هؤلاء ” لفتنة المرجئة على هذه الأمة أخوف عندي من فتنة الأزارقة” والأزارقة هم طائفة من عتاة الخوارج، وقال سفيان الثورري رحمه الله ” دين محدث دين الإرجاء” ومن الإرجاء القول بعدم تكفير المعيّن بإطلاق حتى مع قيام الحجة الرسالية، بشبهة إحتمال كونه مؤمنا باطنا، ومن أسباب ضلال المرجئة هو حصرهم التوحيد في الربوبية فقط وأنه الواجب على المكلف.
ومن ثم قصرت تصوراتهم لحقيقة الشرك المناقض للتوحيد فحصروا الشرك في الربوبية كمن يعتقد أن الخلق والتدبير لغير الله ونحو ذلك أما علماء الدعوة وسلفهم الصالح فقد تصوروا التوحيد والشرك تصورا تاما وفهموهما وفقهوهما على التفصيل، ومن موارد الزلل عند المرجئة أو من تأثر بهم هو إدخال بعض أهل المكفرات الكبرى في دائرة الإسلام بحجة أنها لا تخرج منه بصفتها كبائر أو صغائر بل زعم بعضهم أنها مستحبات مشروعات كمسألة التوسل الشركي “ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى” فغفلوا عن أن هذا عين دين أبي جهل وأبي لهب الذي بعث لنقضه الأنبياء ” ومن يضلل الله فماله من هاد” وصار التوحيد الذي أقر به مشركو العرب هو توحيد هؤلاء ” ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون”
وسبب إنحرافهم أنهم لم يعلموا الحد الفاصل بين المكفرات المخرجة من الإسلام الناقضة للملة وبين ما دونها فهم لم يتصوروا حقيقة التوحيد تصورا كاملا سليما ولذلك غبش الشرك بصيرتهم وأعماها فلم يتبينوا حده ومنتهاه، وقد تعلق المرجئة بتقسيم بعض العلماء الكفر إلى إعتقادي أكبر وعملي أصغر دون معرفة لمعنى الكفر العملي الذي ذكره أولئك العلماء وأنهم لم يقصدوا أن كل الأفعال والأقوال داخلة في الكفر الأصغر.
إياكم والإستنان بالرجال