
إيران في سباق الزمن والسلاح: متى تنفد قدرتها على الصمود؟
بقلم: د. محمود محمد المصري
في عالم لا يرحم الضعفاء، ولا يمنح المغامرين فرصة ثانية، لا تُقاس الحروب بعدد القنابل التي تُلقى، بل بمدى قدرة الدولة على تحمل تبعات المعركة على المدى الزمني، سواء من حيث التمويل أو الإمداد أو القدرة البشرية.
الحروب – وبخاصة الحديثة منها – لم تعد مجرد صدام عسكري، بل صراع متعدد الأبعاد، اقتصاديًا ونفسيًا وتكنولوجيًا.
يحدد خبراء الحروب عادةً ثلاثة أضلاع لأي مواجهة كبرى: التسليح العسكري، والتمويل المالي، والقدرة البشرية المدربة. ومن هنا ينبثق سؤال جوهري: هل تتناسب هذه الأضلاع طرديًا مع المدة الزمنية المتوقعة للحرب؟ بمعنى أدق: هل تستطيع الدولة أن تُطيل أنفاسها بقدر ما تطول الحرب؟
كثير من الدول انهارت رغم تفوقها العسكري في البداية، لأنها لم تحسب بدقة العلاقة بين طول الحرب ومخزونها الاستراتيجي.
إيران في مواجهة إسرائيل: قدرة الصمود أم بداية الانهيار؟
ما نراه في الأفق القريب ليس مجرد منازلة تقليدية بين دولتين، بل حرب باردة وساخنة في آن واحد.
فعلى الرغم من أن إيران نجحت مؤخرًا – ولأول مرة بهذا الحجم – في إلحاق ضرر مادي ومعنوي مباشر بالأراضي الإسرائيلية عبر صواريخ باليستية وفرط صوتية، إلا أن السؤال الرئيسي الآن: إلى متى تستطيع طهران الصمود؟
وللإجابة على هذا التساؤل يمكن تحديد قدرات إيران اللازمة للمواجهة العسكرية مع الخصم الإسرائيلي، كما يلي:
أولًا: حجم الترسانة الصاروخية الإيرانية
تمتلك إيران أكثر من 3000 صاروخ باليستي قصير ومتوسط المدى، من بينها صواريخ مثل “شهاب-3″ (2000 كم)، و”سجيل” (2500 كم)، و”خرمشهر” (2000 كم برأس متفجر يزن 1800 كجم).
كما بدأت مؤخرًا باستخدام الصواريخ الفرط صوتية، مثل “فتاح” الذي أعلنت عنه عام 2023، بسرعة تتجاوز 13 ماخ (أكثر من 15,000 كم/س).
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إيران مخزونًا هائلًا من الطائرات المسيّرة الهجومية، مثل شاهد-136، التي استخدمت بكثافة ضد أوكرانيا عبر روسيا.
ثانيًا: حجم الجيش الإيراني وقدراته البشرية
عدد القوات المسلحة الإيرانية يبلغ حوالي 960 ألف جندي (منهم 610 ألف و350 الف فى قوات الاحتياط).
تملك إيران قوة تعبئة احتياطية ضخمة تُعرف باسم “الباسيج”، يقدر عددها بما يفوق 10 ملايين متطوع يمكن استدعاؤهم وقت الطوارئ.
ومع ذلك، تعاني القوات الإيرانية من نقص التدريب الميداني المشترك وضعف اللوجستيات البرية مقارنةً بالجيوش المتقدمة مثل إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ثالثًا: قدرة إيران على تمويل الحرب
الاقتصاد الإيراني يُقدر حجمه حاليًا بحوالي 434.24 مليار دولار (GDP)، وهو اقتصاد يعاني من عقوبات أمريكية وأوروبية خانقة منذ أكثر من عقد.
الاحتياطي النقدي الأجنبي الإيراني يُقدر بنحو 24 مليار دولار فقط.
التضخم الداخلي يتجاوز 31.9%، والعملة الوطنية (الريال) في حالة تدهور مستمر.
صادرات النفط – وهي المصدر الأساسي للتمويل – فقد تنخفض من 2.6 مليون برميل يوميًا إلى نحو 1 مليون برميل فقط، بسبب الحرب اذا ما تضررت المنشآت النفطية الايرانية، وقد تتعرض ايران لضغوط الصين وهو المستورد الرئيسي للطاقة فى ايران، إلى مساومات سياسية وعسكرية.
والسؤال: بتقدير زمني، كم يمكن أن تصمد إيران؟
وبوضع رؤية طبقًا لحجم الإمكانيات التي تتمتع بها إيران في مواجهة إسرائيل، واحتمالية انخراطها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، يمكن توضيح المشهد في النقاط التالية:
أولًا: حال المواجهة الصاروخية فقط:
قد تصمد إيران لمدة شهر إلى ثلاثة أشهر، مستنزفة مخزونها الصاروخي تدريجيًا.
ثانيًا: حال نشوب حرب برية أو بحرية:
ستكون إيران في موقف صعب بعد أسبوعين إلى شهر واحد فقط، بسبب عدم تكافؤ التكنولوجيا الحربية وضعف الدعم اللوجستي.
ثالثاً: ومع تدخل أمريكي مباشر:
قد تنهار القدرة العسكرية الإيرانية المركزية في أقل من 21 يومًا، اعتمادًا على حجم ونوعية الضربات.
هنالك تشابه بين حالة إيران مع العراق قبيل غزوه في 2003، فرغم امتلاك صدام حسين جيشًا كبيرًا وعدة أسلحة استراتيجية، إلا أن الحرب لم تدم أكثر من 26 يومًا، بسبب ضعف الاقتصاد، والعقوبات السابقة، وعدم جاهزية الدفاعات لردع ضربات جوية مكثفة.
إذن، ما هى التحالفات التى قد تنشأ عن تلك المواجهة من جانب اسرائيل؟
إيران تدرك أن أي حرب شاملة لن تكون إسرائيل وحدها طرفًا فيها، بل قد تضم:
١) الولايات المتحدة (قاعدتان رئيسيتان في الخليج وقطر).
٢) بريطانيا وفرنسا (تدعم إسرائيل لوجستيًا واستخباراتيًا).
٣) التحالف العربي المحتمل (ضد تمدد إيران الإقليمي في سوريا ولبنان واليمن).
ومن ثم، قد تتحول الحرب من مواجهة صاروخية إلى حرب إقليمية متعددة الأبعاد: بحرية في مضيق هرمز، جوية على المدن والبنى التحتية، وحتى برية داخل العراق أو سوريا.
إن ما يحدث الآن هو إنذار مبكر لكل دولة تفكر في الدخول لحرب، فالحرب لا تبدأ بإطلاق أول صاروخ، بل تبدأ بميزانية محكمة، واستعداد بشري، وحساب زمني دقيق. ما لم تحسب إيران بدقة هذه العناصر، فستكون الضربة الأولى لها بمثابة البداية لنهاية غير متوقعة.
لذا، تبقى الإجابة: صمود إيران ليس سؤالًا عن القوة العسكرية فقط، بل عن الزمن والاقتصاد والتحالفات.