
الأبوين وتربية عقل الطفل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، ثم اما بعد لقد أوصي الإسلام بتربية الأبناء تربية إسلامية حسنة، وإن من أنواع التربية الحسنة هي التربية الأخلاقية، والمقصود بالتربية الأخلاقية هو العمل على غرس قيم الخير في نفس الطفل، كالصدق والأمانة وبر الوالدين والشجاعة، ومن أهم جوانب التربية الأخلاقية العمل على تخليته من الأخلاق البذيئة، كالكذب والجبن وما إلى ذلك، وكما أن من أنواع التربية هي التربية العقلية، وقد أعطى الإسلام للعقل عناية خاصة، فالإسلام يشجع الطاقات العقلية ويحترمها، وألقى الإسلام على عاتق الأبوين تربية عقل الطفل.
فليس المقصود من التربية كما يفهم الكثيرون الطعام والكساء، بل لا بد من غذاء عقلي للطفل لينمو عقله ويستطيع أن يساير الحياة، وحتى ننهض بالعقل لا بد من إغترافه من معين الثقافة والعلم، والتركيز على القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالإضافة إلى هذه العلوم لا بد من الإطلاع على الكتب العامة والمعارف الأخرى، وعلى الأبوين كذلك إختيار الأصدقاء المتميزين بثقافتهم الإسلامية، وكما أن من أنواع التربية هي التربية الإجتماعية، ويقصد بالتربية الإجتماعية هو تربية الطفل على آداب إجتماعية فاضلة، وهي المنبثقة من العقيدة الإسلامية، كالنظام وحسن التعامل والتصرف الحكيم، وتقوم التربية الإجتماعية أيضا على التربية الإيمانية والأخلاقية والعقلية، وذلك ليستطيع التفاعل في المجتمع والتأثير فيه، وتقع هذه المسئولية أولا على الأسرة.
وبإكتمال هذه الجوانب يصبح لدينا طفل قوي العبادة، صحيح العقيدة، متين الخلق، مثقف الفكر، يستطيع أن يخدم دينه وأمته، وأن يكون لبنة صالحة في المجتمع، واعلموا أن من طرق تربية الأطفال، هو التربية بالملاحظة وهي ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقدي والأخلاقي، ويدخل فيه التكوين النفسي والإجتماعي، وهذه التربية جسدها النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم في ملاحظته لأفراد المجتمع، ويعقبها الترشيد والتوجيه، ويجب الحذر من أن تتحول الملاحظة إلى تجسس، فمن الخطأ أن نفتش غرفة الولد المميز ونحاسبه على هفوة نجدها لأنه لن يثق بعد ذلك بالمربي، وسيشعر أنه شخص غير موثوق به، وقد يلجأ إلى إخفاء كثير من الأشياء عند أصدقائه أو معارفه، ولم يكن هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لأبنائه وأصحابه.
وكما ينبغي الحذر من التضييق على الولد ومرافقته في كل مكان وزمان لأن الطفل وبخاصة المميز والمراهق يحب أن تثق به وتعتمد عليه، ويحب أن يكون رقيبا على نفسه، ومسئولا عن تصرفاته، بعيدا عن رقابة المربي، فتتاح له تلك الفرصة بإعتدال، وعند التربية بالملاحظة يجد المربي الأخطاء والتقصير، وعندها لا بد من المداراة التي تحقق المطلوب دون إثارة أو إساءة إلى الطفل والمداراة هي الرفق في التعليم وفي الأمر والنهي، بل إن التجاهل أحيانا يعد الأسلوب الأمثل في مواجهة تصرفات الطفل التي يستفز بها المربي، وبخاصة عندما يكون عمر الطفل بين السنة والنصف والسنة الثالثة، حيث يميل الطفل إلى جذب الإنتباه وإستفزاز الوالدين والإخوة، فلا بد عندها من التجاهل لأن إثارة الضجة قد تؤدي إلى تشبثه بذلك الخطأ، كما أنه لا بد من التسامح أحيانا لأن المحاسبة الشديدة لها أضرارها التربوية والنفسية.