
التراكيب الجمالية في مخطوطات محمد خضير البورسعيدي )
بقلم الناقد أ.د. حازم عبودي السعيدي
—————————
يتميز فعل الخط العربي بتوازنات فنية وجمالية وسيرهما في اتجاه واحد غايته اللوحة الخطية الناجحة من قبل مايؤديه الخطاط (محمد خضير ) فهو غالبا ماينزاح الى منطقة التميز الخطي ازاء ما يختلقه في ابتكار ابداعي ونموذج واقعي محتواه المفردة القرآنية المؤثرة في التبصر والابصار الاسلامي
باعتباره الدستور الموضوعي للفكر والمعتقد في بلد المأذن والمساجد ارض الكنانة (مصر العربية ) وهذا بحد ذاته يبرهن الاتصال بالحق ضمن فن الخط العربي في نطاق وصفه الايجابي بخط القيم والاخلاق الرسالاتي المحمدي ،من هنا فالموضوع الجميل شأن الخطاط ويعرف بانه ذلك الذي يكتسب رضانا ويمنحنا البهجة كما لا يمكن ان يعد الشىء الباعث عن النفور بمعناه المعتاد ،وبمعنى ادق ان المخطوطة الجميلة تستقطب مريديها في التناسق الشكلي والوحدوي واللذان ما يرتبطان عادة بالجمال ،فثمة قيمة في التجربة تتأتى ازاء الموهبة والخبرة والتدريب بحيث ان القيمة الاستطيقية تعد من علامات الجذب والتقرب مما يشجع الخطاط على الاستمرار في الحفاظ والاتصال بالحق والجليل عزوجل، عليه ان كل ما يقدمه (البورسعيدي) من خطوط متنوعة في (الثلث والاجازة والنسخ والديواني وغيره) ليعتمد على الاخراج الفني المصحوب بالقيمة الاستطيقية الهادفة والامثلة كثيرة بما جاء به ليكون تحديا واضحا على القدرة في مشق الحرف وقياساته الذهبية وفقا لقانون هيمنة الصورة ،وهذا بدوره يتحصل فعليا بالتكوين والتراكب الانموذجي ولعلنا نسلط الضوء على البعض في تحليل خط الثلث ل(مخطوطة خلق الانسان علمه البيان) نجد التكوير الكروي في الاخراج حيث ابتدأ بكلمتي علمه البيان من اسفل الدائرة بعد ان راكب البيان في حرف النون الاخيرة ثم اتجه الى اعلى التكوين الانشائي ليضع خلق الانسان في الاعلى وايضا بتراتب كلمة خلق بعد ان اختار حرف الخاء النهائية ليصوغها ابتداءا ومن ثم ترك تراصف حرف النون في كلمة الانسان فوق الالف وهذا التكوين الرباعي الدائري الطبقي هو من الابتكارات التي يتجه اليها الخطاط في توافق القراءة والكتابة الناجح اصلا ،اما مخطوطة الثلث السطري (اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ) فهو تختلف في التراكب والمشق السطري حينما اختار حضورها لتكون واضحة في القراءة حيث استعاظ بحرف العين الوسطية لتكون نهائية مما قدم كلمتي السميع والعليم بوجود حرف العين وثنائية الوجود بعد ربطهما بالالف لام وهذا يدلل قدرة الخطاط على اقامة العلاقة والوصل دون ان يغير في القيمة الفنية على حساب التمظهر الجمالي داعما بذلك الاتجاه السطري نحو قوة التركيب وعدم المساس بالحروف التي تعلمها فوق او تحت السطر ،وكذلك في مخطوطة (يامجيب الدعاء) جاءت على غرار الاضلاع الاربعة في المربع على الرغم من ان المفردتين التقيتا بوجود (يا ) النداء والتوسل التي وضعها في التركيب الى اسفل مما يدل حقا ان الانسان يحتاج الى الدعاء وهو رافعا يديه وناظرا الى السماء وعمق الاثير العلوي ومن ثم ان مفردة ( مجيب )تحققت بصياغة الميم الاولية وارفاقها باتصال الجيم النهائية في محل الحرف الثاني الذي ازدان جمالا دون وضع الجيم الاولية او الوسطية واتممها بالياء والباء حتى احتلت نصف المربع الهندسي بالتالي جاورها بمفردة (الدعاء)التي جاءت بذات الجمال الكتابي اي بمعنى جعل الخطاط الالف لام معلقة في الاعلى وترك حرف الدال وحرف العين النهائية الحضور بدلا من العين الوسطية ،حتى ترك الهمزة في الزاوية الشمالية السفلى ،ويظهر تعبئة التشكيل بمجموعة من الحركات الاعرابية والجمالية كالسكون والشدة والضمة والكسرة والفتحة وغيرها من اجل سد الفراغات والمساحات المفتوحة .
واخيرا يعد (البورسعيدي )من الخطاطين المصريين الملتزمين بقواعد الخط الكلاسيكي المعاصر دون الالتفات الى المحاولات في التجديد كخطوة لابعاد ماهو معاصر ومتابعة تقنية الحرف على غرار ما اتجه اليه المبدعين الاوائل في رصانة التكوين الانشائي مع رفد المخطوطة بنقاء البنية وعذريتها بعيدا عن التجنيس والمخالطة وهو ما نراه في الفترات الاخيرة لكثير من الخطاطين التشكيليين الذين ينادون بكسر التقليد والتوغل في مساحات الاتجار بالحرف على حساب انظمته .
التراكيب الجمالية في مخطوطات محمد خضير البورسعيدي )