تقنيةتكنولوجيا

التنبؤ بالجريمة بالذكاء الاصطناعي لحماية المجتمع: بين الوقاية الأمنية والضوابط القانونية

جريدة موطني

التنبؤ بالجريمة بالذكاء الاصطناعي لحماية المجتمع: بين الوقاية الأمنية والضوابط القانونية

بقلم: د. محمود محمد المصري

 

في عصرٍ تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أبرز أدوات التحول في مختلف القطاعات، وعلى رأسها قطاع العدالة الجنائية، ومن بين أبرز تطبيقاته الحديثة، يبرز دوره المتنامي في التنبؤ بالجريمة، وهو مجال يتقدم بسرعة ليصبح من أهم أدوات الوقاية الأمنية المعتمدة على تحليل البيانات واستقراء الأنماط.

 

ويعتمد التنبؤ بالجريمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل كم هائل من البيانات التاريخية المرتبطة بالجرائم، مثل أماكن وقوعها، توقيت حدوثها، أنماط سلوك المجرمين، والعوامل الاجتماعية والبيئية المحيطة، كما تهدف هذه التحليلات إلى توقع الجرائم المستقبلية من حيث الزمان والمكان، وأحيانًا نوع الجريمة ذاته، مما يُمكن الجهات الأمنية من التحرك الاستباقي بدلًا من التدخل بعد فوات الأوان.

 

إن هذه الأنظمة تعتمد على خوارزميات تعلم الآلة (Machine Learning) القادرة على اكتشاف الأنماط الخفية في البيانات، والتي قد يصعب على الإنسان ملاحظتها بسهولة، وهو ما يعزز من كفاءة توجيه الموارد الأمنية ورفع فعالية الاستجابة.

 

ومما لا ريب فيه، يعد التنبؤ بالجريمة خطوة استراتيجية نحو تعزيز الأمن المجتمعي، من خلال عدة أهداف رئيسية، ومن أبرزها:

 

أولًا: خفض معدلات الجريمة من خلال توجيه الدوريات الأمنية بشكل ذكي إلى البؤر الأكثر عرضة للتهديد.

التنبؤ بالجريمة بالذكاء الاصطناعي لحماية المجتمع: بين الوقاية الأمنية والضوابط القانونية

ثانيًا: تحسين اتخاذ القرار الأمني، عبر الاعتماد على بيانات دقيقة بدلًا من الحدس والتخمين، ما يُمكن الجهات الأمنية من التخطيط وفق أسس علمية.

 

ثالثًا: الانتشار الأمني الموجه، حيث يتم توظيف القوى الأمنية وفقًا لاحتياجات كل منطقة، مما يضمن استخدامًا أفضل للموارد البشرية والمادية وتوفير الوقت للقبض على المجرمين.

 

رابعًا: تحليل سلوك المجرمين، إذ يسهم الذكاء الاصطناعي في رصد أنماط التكرار الزمني والمكاني للجرائم، بما يساعد في فهم تطور السلوك الإجرامي والتعامل معه بفعالية.

 

قد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تجارب عملية ناجحة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال:

 

ففي الولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت شرطة شيكاغو برنامج “Predictive Policing” الذي يقوم بتحليل بيانات الجرائم السابقة للتنبؤ بالمناطق المحتمل وقوع الجريمة فيها.

 

وفي المملكة المتحدة، جُربت أنظمة متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل مكالمات الطوارئ والتعامل مع البلاغات الجنائية بشكل فوري قبل تفاقم الموقف.

 

وأما في الصين، فتُستخدم تقنيات تعتمد على التعرف على الوجوه وتحليل التحركات المشبوهة في الأماكن العامة، لتوقيف الأشخاص ذوي السجلات السابقة عند اقترابهم من مواقع مصنفة بأنها حساسة.

 

رغم النجاحات المتحققة، إلا أن تطبيق الذكاء الاصطناعي في هذا السياق يتطلب توازنًا دقيقًا بين تحقيق الأمن من جهة، وحماية الحريات والحقوق الفردية من جهة أخرى.

 

إن استخدام هذه التقنيات يجب أن يصاحبه تشريعات واضحة، ورقابة دقيقة على آليات اتخاذ القرار، وضمانات للعدالة والشفافية في استخدام البيانات.

 

وختامًا: إن التنبؤ بالجريمة باستخدام الذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى الاستغناء عن العنصر البشري في إنفاذ القانون، بل إلى تمكينه من اتخاذ قرارات أكثر دقة ووعيًا. إنه أداة تُعزز بناء مجتمع أكثر أمنًا واستقرارًا، شرط أن يُستخدم بمسؤولية وعقلانية.

 

وفي ظل تزايد التحديات الأمنية وتعقيد الجرائم، أصبح توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال التنبؤ بالجريمة ضرورة لا رفاهية، ونرى أن استخدام الـ (AI) للتنبؤ بالجريمة هى فرصة ذهبية لحماية المجتمعات المدنية من آثار الجريمة والمجرمين، شريطة أن تكون هذه الحماية قائمة على أسس من العدالة، والرقابة، واحترام الإنسان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى