الثانوية العامة بين الخوف المشروع والضغط المؤذي
د.هبه المالكي مدرس أصول الفقه كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة
تُعد مرحلة الثانوية العامة من أكثر المراحل التي يتعرض فيها الأبناء لضغط نفسي وعصبي شديد، لا بسبب صعوبة المواد فقط، بل بسبب الضغط الهائل الذي يمارسه كثير من الأهالي بدافع الخوف على مستقبل أبنائهم. يتوه هذا الخوف أحيانًا ويتحول إلى قسوة وتهديد ووعيد، فيُرهَق الطالب ويُنهَك نفسيًا، وقد يُصاب بفقدان الثقة أو الاكتئاب.
يقول الله تعالى: “لا يُكلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها” [البقرة: 286]، فكيف نُحمّل أبناءنا فوق طاقتهم، ونطلب منهم الكمال؟ هل نتصور أن الضغط المستمر سيجعلهم أكثر نجاحًا؟ بل العكس، الضغط يُطفئ الحماس، ويهز الثقة، ويجعل الطالب يذاكر خوفًا لا حبًا في العلم
إن الله سبحانه وتعالى قال: “وبشّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” [البقرة: 155-156]، وهذا يدل على أن الابتلاء جزء من الحياة، وأننا مطالبون بالصبر والدعم، لا باللوم والتهديد. ولو ربينا أبناءنا على أن الامتحان مرحلة من الحياة، وليس حياتهم كلها، لشعروا بالأمان، وأعطوا أفضل ما لديهم.
المقارنة بين الأبناء وأقاربهم، وانتزاع وسائل الترفيه بالكامل، والتقليل من أي جهد مبذول، كلها أساليب تزيد الألم ولا تصنع النجاح. التربية الصحيحة تبني إنسانًا قويًا من داخله، يشعر أن أهله يحبونه في كل الأحوال، لا فقط حين ينجح.
أبناؤنا أمانة، ونحن مطالبون بصنع قلوب مطمئنة وشخصيات واثقة. فلنستبدل القسوة بالحوار، والوعيد بالدعاء، ولنجعل بيوتنا أماكن راحة لا ساحات حرب.
ابدأ يومك بدعاء لأولادك بدل التوبيخ.
خصص وقتًا يوميًا للحديث الهادئ معهم، بعيدًا عن المذاكرة.
احتفل بأي إنجاز مهما كان بسيطًا.
ذكّرهم بأن قيمتهم لا تتحدد بدرجاتهم.
تعلّم أن تقول: “أنا فخور بك” بصدق، حتى في لحظات التعثر.
تذكّروا أن ما ينجح الأبناء فعلًا، هو شعورهم أن هناك من يحبهم بلا شروط، ويمدّهم بالقوة وقت ضعفهم
اللهم اجعلالثانوية العامة بين الخوف المشروع والضغط المؤذي أبناءنا قرة أعين لنا في الدنيا والآخرة، ووفقهم للخير حيث كان، وأعنّا على حسن تربيتهم بالرحمة لا بالغضب، وبالحكمة لا بالتسلّط.