الحظ والنصيب من العلم
الحظ والنصيب من العلم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وإمتنانه وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه، أما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون وبعد إن العلم هبة إلهية ومنة ربانية يمن بها عز وجل على من شاء من عباده فسل الله تعالي وأقبل عليه بصدق جل في علاه أن يمن عليك بالعلم النافع، وأن يشرح صدرك لتحصيله ونيله، وأن يجعلك من أهله، فإذا صدقت مع الله في سؤالك، وبذلت الأسباب النافعات، والوسائل المفيدات أعطاك الله تبارك وتعالى من العلم حظًا ونصيبا، فقال الله تبارك وتعالى ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” ومن أهم ما يكون في هذا المقام أن يتحلى المسلم بالأخلاق الفاضلات.
والآداب الكاملات، التي هي عنوان لفلاح صاحبها فقال عبد الله ابن المبارك رحمه الله تعالى “كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين” فإن للأدب مكانته العلية ومنزلته الرفيعة، ومن ذلكم أن من قل أدبه وضعف نصيبه من الخلق لا يؤتى من العلم نصيبا، بينما من راضت نفسه على الآداب الفاضلات والأخلاق الطيبات كانت وسيلة له وسببا عظيما للتوفيق في تحصيل العلم ونيله، فما حصلت المطالب العلية بمثله، وما حُرم المسلم من الخيرات والفضائل بمثل إضاعته، ولهذا ينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه على التحلي بأخلاق الإسلام، وآدابه العظيمة، أدبا مع العلم نفسه، وأدبا مع أهله وحملته، وأدبا مع الكتب المباركات النافعات التي سطرت فيها مسائل العلم ودلائله، فإن العلم إذا وفق العبد لتحصيله، والسعي في نيله.
وتمرنت نفسه على ذلك وجد له حلاوة لا تضاهى ولذة لا نظير لها، وإن كان في بداياته قد يشعر بشيء من المرارة لأنه لم يتعود، فإذا تمرنت النفس وجدت لذلك لذة عظيمة وطعما وهناءة ولهذا ينبغي على المسلم في سلوكه لطلب العلم أن يتحلى بالصبر، ومن لا صبر عنده لا ينال علما بل لا ينال فضيلة لأن الصبر تنال به الأعمال الصالحات ويكف به المرء عن المنهيات ويفيده في كل المقامات، لأنه خلق عظيم يلازم المسلم الصادق في كل أحواله وجميع شؤونه، وإن من أهمية العلم وطلبه يقول الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حجرة السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها فيقول الناس إنه مجنون وما بي جنون ما بي إلا الجوع وذلك لحرصة الشديد علي طلب العلم.
وقال ابن كثير رحمه الله، وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة، وقال أبو أحمد نصر بن أحمد العياضي الفقيه السمرقندي لا ينال هذا العلم إلا من عطل دكانه وخرّب بستانه وهجر إخوانه ومات أقرب أهله إليه فلم يشهد جنازته، وقال ابن القاسم رحمه الله، أفضى بمالك بن أنس رحمه الله طلب العلم إلى أن نقض سقف بيته فباع خشبه، فنسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يشرح صدورنا أجمعين للخير بمنه وكرمه، ونسأله سبحانه أن يرزقنا علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.