
الحياة والعصر الحديث
بقلم: د. سماح إبراهيم
صحتنا حياتنا – معًا لواقع أفضل
نحن نعيش في زمن لا يشبه ما عرفناه من قبل؛ زمن تتبدل فيه الملامح سريعًا، وتتشكل فيه القيم والمعايير كالرمال المتحركة. بالأمس كنا نعيش ببساطة، نتواصل بقلوبنا لا بشاشاتنا، نربي أبناءنا على ما تربّينا عليه، ونحتمي بمظلة قيمية واحدة. أما اليوم، فالأحداث تتلاحق، والتقنيات تتطور، والعلاقات تُختصر في رموز، والإنسان يلهث في محاولة مستميتة للحاق بكل هذا التغير… لكنه غالبًا ما يتعب، وربما يضيع.
نحن نعيش تسارع لا يرحم
ما كان يحتاج إلى شهور، بات يحدث في أيام. وما كان يُشكّل ببطء عبر الزمن، بات يُفرض فجأة: من تغيرات اجتماعية، إلى تطورات مهنية، إلى توقعات يومية تفوق قدرة الإنسان النفسية. ومع هذا التسارع، نشأت فجوة بين ما نحن عليه وما يُنتظر منا، وبين ما نشعر به وما نسمح لأنفسنا بالتعبير عنه.
علينا معرفةأين اختلّ التوازن؟
مع مرور الوقت، بدأ هذا الفارق يؤثر على توازننا الداخلي. أصبحنا نعيش تحت ضغط مستمر: ضغوط العمل، المسؤوليات المتزايدة، المقارنة الدائمة، الإحساس بعدم الكفاية، والحنين لماضٍ أكثر دفئًا. هذه العوامل لا تمر مرور الكرام؛ بل تترك أثرًا واضحًا على صحتنا النفسية: قلق، اضطراب في الهوية، ضعف في الروابط الأسرية، وشعور بالوحدة رغم الازدحام.
محاولات التأقلم
الكثيرون يحاولون التأقلم، لكن دون أدوات واضحة. البعض يختار الإنكار، والبعض الآخر يستسلم للإرهاق، بينما يحاول البعض التوازن بشتى الطرق. المهم هنا أن نفهم أن هذا الوضع ليس خطأً شخصيًا، بل نتيجة طبيعية لواقع عالمي متغير، يتطلب منا استجابات نفسية جديدة.
علينا الاستبصارومعرفة ما الذي نحتاجه فعلًا
نحن نحتاج إلى أن نتوقف للحظة. أن نسأل أنفسنا: “هل نسير في الاتجاه الصحيح؟ هل ما زلنا نعيش بوعي أم فقط نُلاحق الحياة؟” نحتاج أن نعيد التواصل مع ذواتنا، أن نُعيد ترتيب أولوياتنا، أن نسمح لأنفسنا بالاعتراف بالتعب، والحزن، والارتباك، دون خجل.
ليس عيبًا أن نبحث عن التوازن
في ظل هذه التحوّلات، أصبح من الضروري أن ننظر للصحة النفسية لا كمجرد ترف، بل كضرورة حياتية. التوازن النفسي لم يعد رفاهية، بل هو ما يحافظ على قدرتنا على الاستمرار، على الإنتاج، على الحب، على الأمل.
ختامًا
حين تتغير الحياة أسرع منا، لا يعني ذلك أننا فشلنا. بل يعني أننا بشر، نحتاج لبعض التوقف، لبعض الدعم، ولحوار صادق مع أنفسنا. فقط عندما نستعيد هذا الحوار، نبدأ أولى خطوات التوازن وسط عالم لا يتوقف عن التغيير.
الحياة والعصر الحديث