مقالات

الخيرية صفة لازمة للأمة المسلمة

الخيرية صفة لازمة للأمة المسلمة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله رب العالمين الذي خلق فسوى وقدر فهدى والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أعلى ربه قدره ورفع بين العالمين ذكره وأثنى على أخلاقه فقال “وإنك لعلى خلق عظيم” صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه وترسّم خطاه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعد إن دين الإسلام هو دين السماحه والوسطية والإعتدال، وتمتاز الوسطية في الإسلام بعدة آثار وفوائد على قدر من الأهمية، لأنها المعيار الضابط لتحديد حقيقة الوسطية كما وردت في الكتاب والسنة وكما طبقها صالحوا الأمة وفضائلها، ولعل أهم مزايا وآثار الوسطية هو الإستقامة، والخيرية، والأمان والإطمئنان، والقوة والثبات، والعدل، والإستقامة هي كلمة جامعة،آخذه بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء، وقد أمر الله عز وجل بالاستقامة ولزومها.

 

فقال تعالي ” فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا ” كما حثت السنة النبوية على لزوم الإستقامة والثبات عليها، فعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك؟ قال ” قل آمنت بالله ثم فاستقم ” والإستقامة حالة لا تحدث إلا بالتزام وسطية الإسلام التي لا إنحراف فيها ولا عوج، وكما أن من أهم مزايا وآثار الوسطية هو الخيرية، وإن الخيرية صفة لازمة للأمة المسلمة حيث قال تعالى ” كنتم خير أمة أخرجت للناس ” وقال تعالي أيضا ” ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ” والخير هو كل ما أقره الشرع ودعا إليه ونبه عليه، والدعوة إليه تقتضي الدعوة إلى الوسطية التي هي جوهر الإسلام، كما أن التذكير بالخيرية هو تذكير بحبل النجاة وهو حبل الله المتين الذي لا يزيغ من تمسك به. 

 

وإن الخيرية ترتبط ارتباطا جوهريا بمصدر القاعدة التشريعية وأثرها وجوهرها ومظهرها، فهذه القاعدة إلهية المصدر فرضها الله تعالى وهذا سر خيريتها، وهي إنسانية الأثر لأن هدفها إصلاح حياة البشر، وإن الوسطية دليل الخيرية وهذا ظاهر في الماديات والمعنويات ففي كل أمر مادي أو معنوي نجد التوسط دائما خيرا من الأطراف، ومن أهم أثار الوسطية الأمان والإطمئنان، لكون الوسطية منطقة أمان وبعد عن الأخطار والمزالق بخلاف الأطراف، والذي يحقق هذا الشعور هو العدل الذي ينبع من الوسطية، فالعدل أمان كما أن الظلم سبب الخوف وعدم الإطمئنان، ومن أظلم الظلم من نأى عن وسطية الإسلام فعطلها، فمن أراد أن يخرج من طريق الخوف والإضطراب فعليه العودة إلى وسطية الإسلام والإستقامة عليها، وكما أن الوسطية دليل قوة وثبات. 

 

وذلك لأن الوسط هو مركز القوة في كل شيء فالشباب مثلا يمثل القوة وهو وسط بين الطفولة والشيخوخة، والشمس في وسط النهار أقوى منها في طرفيه، وهذه القوة إستندت في قوتها إلى وسطية القاعدة التشريعية الإسلامية، لأن وسطية القاعدة تعني قدرتها على ضبط علاقات الناس في شتى مجالات الحياة ضبطا محكما وملائما إستنادا إلى تجرد القاعدة الشرعية الإسلامية ذاتها، بكونها ربانية المصدر، وهي لهذا السبب تتحرر من كل ما يستبد بها فهي لا تخدم فئة معينة، بل تهدف إلى إرضاء جميع المخاطبين بأحكامها، وكما أن الوسطية دليل العدل ولعل هذا من نافلة القول لكنه أثر لا يخفى وكيف والوسطية نفسها عدل، إن التشريع كله عدل ووسط مع الله جل وعلا ومع النفس ومع الناس فيقول القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله العدل بين العبد وربه بإمتثال أوامره. 

 

وإجتناب مناهيه، وبين العبد وبين نفسه بمزيد من الطاعات وتوقي الشبهات والشهوات، وبين العبد وبين غيره بالإنصاف، وبالعدل تستقيم دنيا الناس وهذا هدف من أهداف الوسطية، ويقول ابن تيمية رحمه الله وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل، الذي فيه الإشتراك في أنواع الإثم، أكثر ما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، وإذا عمل الناس بالشرع الذي هو الوسطية تحقق العدل، فالشرع هو العدل، والعدل هو الشرع، ومن حكم بالعدل فقد حكم بالشرع، فإن هذا الشرع المنزل كله عدل، ليس فيه ظلم ولا جهل، وفي قوله تعالى ” ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي ” 

الخيرية صفة لازمة للأمة المسلمة

ويعلق ابن تيمية رحمة الله بقوله “وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل أو بهوى نفس؟ فهو أحق أن لا يظلم، بل يعدل عليه” .

الخيرية صفة لازمة للأمة المسلمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى