المقالات

الدكروري يكتب عن الحث على السير للدار الآخرة

الدكروري يكتب عن الحث على السير للدار الآخرة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

يعيش الإنسان هلي وجه الأرض فترة محدده، قد حددها له الله عز وجل، فإذا ما حان الأجل، فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم وقد خلفوا كل شيء وراءهم، لم يأخذوا معهم مالا ولا جاها ولا منصبا إلا الصاحب الملازم وهو العمل، وها هم قد سكنوا القبور الموحشة حيث لا أنيس ولا صاحب وقد تساوى في سكناها جميع الناس غنيهم وفقيرهم، شريفهم وحقيرهم، وهكذا فإن الموت أعظم واعظ وأبلغ زاجر وقد أوصى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره لما فيه من دفع المرء لعمل الصالحات، فقال صلى الله عليه وسلم “أكثروا من ذكر هادم اللذات ” وما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره، إلا لما يورثه ذكر الموت من القناعة في القليل، والحث على السير للدار الآخرة بزاد يبلغ بصاحبه حيث النجاة.

ولذا قال الخليفة عمر بن عبد العزيز ” لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد ” فبينما يعيش المرء في هذه الدنيا يظن أن أجله بعيد وقد ألهاه الأمل إذا بالموت يفجؤه وبدأ ينازع السكرات والشدائد، وقد نزل ملك الموت لقبض روحه، وإذا بالألم يسري في جميع أجزائه في كل عرق وعصب ومفصل من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين وقد قيل،إن الموت أشد من ضرب بالسيوف ونشر بالمناشير وقرض بالمقاريض، ولما احتضر النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل يديه في ماء يمسح بهما وجهه ويقول صلى الله عليه وسلم” لا إله إلا الله إن للموت سكرات” وكم من شخص وقد نزل به الموت، فإذا به قد خفت صوته وصياحه، وضعفت قوته وخارت قواه، والكرب قد تصاعد على قلبه بألم شديد، حتى غلب على كل موضع من جسده.

فهدّ كل جزء وأضعف كل جارحة، أما العقل فقد غشيه الألم وشوشه، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها، وكم يود المحتضر، لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح ولكنه لا يستطيع، وقد انتشر الألم في داخله وخارجه، وتقلص لسانه، واخضرت أنامله، وبردت أطرافه، والناس حوله باكون، ينادونه يا فلان، يا فلان، وهو في حال أخرى وعالم آخر، يرى ما لا يرون ويسمع ما لا يسمعون، يرى الملائكة وقد جاءوا لقبض روحه، فيقول عز وجل ” فلولا إذا بلغت الحلقوم، وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون” فإما مبشر برحمة من الله ورضوان وإما مبشر بغضب من الله ولعنة، إما أن تنزل عليه ملائكة بيض الوجوه وإما أن تنزل عليه ملائكة سود الوجوه، وإن من بركات ذكر الموت هو محور الفضائل.

فلذكر الموت فضائل جمة لا تعد ولا تحصى، فذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة ويقوي القلب بمواعد الله ويرق الطبع ويكسر أعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا، وكذلك من بركات ذكر هادم اللذات هو محبة الله، لأن ذكر الموت يجعلك قريبا من الله مدركا لحضورك بين يديه، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق رضى الله عنه أنه قال”أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيّة خميس في مسجد قباء فقال هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعسل مخيض بعسل، فلمّا وضعه على فيه نحّاه، ثم قال صلى الله عليه وسلم شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه، لا أشربه ولا أحرّمه، ولكن أتواضع لله، فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر حفظه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله”

الدكروري يكتب عن الحث على السير للدار الآخرة

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار