الدكروري يكتب عن الرجل المناسب في المكان المناسب
الدكروري يكتب عن الرجل المناسب في المكان المناسب
بقلم / محمــــد الدكـــروري
الدكروري يكتب عن الرجل المناسب في المكان المناسب
إن الله سبحانه وتعالى أودع في كل إنسان مواهب وقدرات وطاقات معينة، ولم يجعلها في فرد واحد أو أفراد معينين، بل توزعت هذه القدرات والطاقات على جميع الأفراد، وذلك حتى يكمل بعضهم بعضا في جميع التخصصات الموجودة في المجتمع، وذلك ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال، لاحتياج هذا إلى هذا، فالناس فيه ليسوا على نسق واحد في العلم والمستوى المعيشي والطاقات والمواهب والقدرات، ومن عوامل نجاح المنظومة الاقتصادية والاجتماعية هو توظيف الطاقات والمواهب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب مع مراعة التخصص الدقيق، ولهذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر للصحابة في قضية تأبير النخل لما علم خبرتهم وكفاءتهم في ذلك، فبين بهذا أن الأنبياء.
وإن كانوا أحذق الناس في أمر الوحي والدعاء إلى الله تعالى فهم أسرج الناس قلوبا من جهة أحوال الدنيا، وإن أطفالنا وشبابنا لديهم مواهب وقدرات متميزة ولابد من توجيه هذه المواهب واستخدامها استخداما صحيحا وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام حيث يوجد لكل واحد من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ميزة وخصيصة برز فيها هو وطائفة معه, وقد لا توجد في فرد أو أفراد آخرين، فالصحابة الكرام معاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم كانوا يهتمون بالعلم، وزيد بن ثابت وهو صبي برع في تعلم اللغات الأخرى لحاجة المجتمع لها، وهذا عبدالله بن زيد لما رأى رؤيا الأذان في منامه أتى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأخبره بما رأى فقال له صلى الله عليه وسلم ” إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألقي عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك” قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فلله الحمد” رواه أبوداود وأحمد وابن ماجة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد وظف المواهب والطاقات وقدم الكفاءة في حسن الصوت ومنفعة المسلمين ولم يعطها عبدالله مع أنه هو الذي رأى الرؤيا وهو أحق بها ولكنه تقديم للكفاءات واستثمار للمواهب والطاقات وهكذا ينبغي أن يراعى ذلك في اختيار جميع العاملين بالدولة.
كل حسب تخصصه ومواهبه وطاقاته حتى تسير السفينة، وإن فعل الخير يسبب الراحة النفسية، فتقول الدراسات العلمية إن الإكثار من فعل الخيرات يؤثر إيجابيا على الحالة النفسية للإنسان بل وتقي من أمراض القلب، وإنه لا قيمة للحياة بدون فعل الخير، ولا نجاة للعبد في الآخرة بلا فعل الخير، ولا راحة نفسية ولا سعادة قلبية للعبد دون فعله الخير، ولا دخول للجنة دون فعل الخير، ولا فوز برضوان الله دون فعل الخير، ولا نور في القلب ولا في القبر ولا على الصراط دون فعل الخير، وفعل الخير في الحياة كالنهر الجاري، يتدفق بقوة وغزارة، ومن كل حدب وصوب فمن هنا العبادات والأذكار والقرآن والنوافل والقربات، ومن هناك حسن الأخلاق وصلة الأرحام ومدّ يد العون للمحتاج.
وعن يمينه الصدقات، وعن شماله أداء الأمانات، فحيثما ولى بوجهه ينال الخير، ويفعل الطيب، وبعضنا، فعل الخير في حياته كالخيط الرفيع لا يكاد يُرى ولا يقوى، ولا يكاد يسمن ولا يضحى، فهو ضعيف شحيح قليل، فلا يمكن أن تربط به ما يثبتولا أن تجرّ به ما يثقل، فلو نظر نظرة العاقل في سيرته اليومية لوجدها حزينة قاتمة، بالكاد يسطر له ملائكة اليمين باليوم سطرا أو سطرين من فعل الخيرات، في حين يسطر له ملائكة الشمال في اليوم ثلاثا وعشرين صفحة من فعل السيئات، وبعضنا كأهل الأعراف، لا يفعل الخيرات ولا يفعل السيئات، فخيراته قليلة، وأوقاته الضائعة في المباحات كثيرة، ولكنه خسر وفاتته حسنات ورحمات عديدة.