الدكروري يكتب عن تحديد طريق السعادة والفلاح
بقلم/ محمـــد الدكــــروري
لقد أسلم ثمامة بن أثال دون ضغط أو إكراه، بل إن إسلامه وُلد قويا إلى الدرجة التي دفعته إلى مقاطعة قريش من أجل أنها تحارب رسول الله صلي الله عليه وسلم، مُضحيا بذلك بثروة هائلة كانت تأتيه من تجارته معها، ومُضحيا كذلك بعلاقات اجتماعية مهمة مع أشراف قريش، ولقد جاء في كتاب الله تحديد طريق السعادة والفلاح فمرة باتباع هدى الله تعالى، ومرة بالإيمان وعمل الصالحات، ومرة بتزكية النفس وتحليها بالصفات الحميدة وإبعادها عن الصفات المذمومة، ومرة بالقيام بالواجبات والانتهاء عن المحرمات، فإذا كانت الحيرة والشك والضلال عذابا وجحيما لا يطاق في الدنيا، والآثار في الآخرة أشد وأبقى، فإن الإيمان واليقين سبيل للسعادة في الآخرة والأولى، فإنه محال أن يجد السعادة أصحاب الخنا والغناء، والكؤوس المحرمة.
وأهل الريب والرذيلة والمعاصي مهما أوتوا من حظوظ الدنيا، إن لم يهتدوا ويتوبوا، ذلكم لأن ذل المعصية يحيط بهم ويقعد بهم السعادة الحقيقية “إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، إن ذلك المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه” وإذا أفلس من السعادة أرباب الأموال العظيمة والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وقارون نموذج للانتكاسة والشقوة، ولمن يمنعه ماله، وقد أتاه الله من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولو القوة فقد خسف الله به وبداره الارض فهو يتجلجل بها إلى يوم القيامة، فإذا أفلس هؤلاء ووجد السعادة وحققها بكل معانيها من اتصلوا بالله وأطاعوه، ولو كان نصيبهم من العيش كفافا ولو كان فرشهم حصيرا يبقى لها بعد النوم في الجنوب أثر، فإن للإيمان والاستقامة على الحق أثرا حميدا حاضرا ومستقبلا.
وإن طاعة الله ورسوله سبب للفوز والفلاح، وتأمل نعيم الأبرار، وجحيم الفجار الوارد في قوله تعالى “إن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم” ويقول ابن القيم رحمه الله ولا تظن أن قوله تعالى”إن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم” مختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب، وسلامة الصدر ومعرفة الرب تعالى ومحبته، والعمل على موافقته، وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم، وهو الذي سلم من الشرك والغل والحق والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم المعاد، وقال بعض العارفين وهو يستشعر محبة الله تعالى ويتنعم بعبادته إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة.
فإني إذا في عيش طيب، وإن للرضا بالمقدور والقناعة بالميسور أثر في السعادة في الدنيا والمثوبة في الآخرة والله يقول “ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه” وهذا حوار لطيف في مسكن السعادة وطرق جلبها، قيل للسعادة أين تسكنين؟ قالت في قلوب الراضين قيل فيم تتغذين؟ قالت من قوة إيمانهم قيل فبم تدومي؟ قالت بحسب تدبيرهم قيل فبم تستجلبين؟ قالت أن تعلم النفس أن لن يصيبها إلا ما كتب الله لها، قيل فبم ترحلين؟ قالت بالطمع بعد القناعة وبالحرص بعد السماحة، وبالهم بعد السرور وبالشك بعد اليقين، فإن هذا الدين سبب للسعادة والهداية وغيره من الأديان والنحل سبب لنكد والشقوة.