الدكروري يكتب عن حسن الجوار الصبر على الأذى
الدكروري يكتب عن حسن الجوار الصبر على الأذى
الدكروري يكتب عن حسن الجوار الصبر على الأذى
ما أجمل من فضيلة العفو والتسامح، فإنه حق من الحقوق الواجبه علي كل مسلم أن يعفو وأن يتسامح، ولكن هذا الحق يحتاج إلى انتصار على النفوس، ونجاح في هضم الحمية المقيتة، وكبح لجماح الغضب والطيش، وهذا صعب على كثير من النفوس، خصوصا من لها مكانة بين الجيران، أو جاءها الأذى ممن هو أدنى منزلة منها ولهذا فإن هذا الحق أصعب الحقوق على النفوس، فبذل المعروف قد يكون شيمة يطبع عليها الإنسان، بخلاف الصبر على أذى الآخرين، فالجار الصالح حقيقة، إنما يبتلى بهذا الحق ويُعرف به، وقال بعض الصالحين “ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى” وإن من شقاء المرء أن يجاور جار سوء، والإنسان الصالح لا يضيق بشيء ذرعاً ضيقه بجار السوء الذي يسمع منه الخنا، ويلقى منه العناء، إن كلمه بالحسنى عاداه.
وإن سكت على شره آذاه، عِيل صبُره، وضاق صدره، فاضطر إلى بيع داره، أو تحوّل عنه إلى سواه، خاصة في هذا الزمن الذي قلت فيه المساكن وضاقت البيوت بمن فيها، فحين يرحل جار آذاه جاره، ويسأل عن سبب رحيله، وإن لضرر الجار السيء، هو ما جعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول “اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول” ومعناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الجار السيء الملازم في الوطن المستقَر فيه، بخلاف الجار المؤذي الذي يبقى زمنا ثم يذهب كصاحب البادية ونحوه، فإن الجار الصالح حين يسمع برحيل جاره الصالح يحزنه ذلك أشد الحزن، ويعد رحيله من جواره مصيبة من المصائب، كأنما رحل واحد من أهل بيته، وقيل أنه أراد جار لأبي حمزة السكري رحمه الله أن يبيع داره.
فقيل له بكم؟ قال بألفين ثمن الدار، وبألفين جوار أبي حمزة، وباع أحد السلف داره بمائة ألف درهم؟ ثم قال بكم تشترون جوار جاري فلان؟ فقالوا وهل يشترى جوار قط؟ قال ردوا علي داري، وخذوا مالكم، لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني، وإن رآني رحّب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قرّبني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني نائبة فرّج عنى، فبلغ ذلك جاره الذي مدحه بهذا الكلام فبعث إليه بمائة ألف درهم، وقيل هو سعيد بن العاص، وبعد هذا فما علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نعاتب جيراننا، وأن نؤدي الحقوق التي علينا قبل أن نطلب حقوقنا، فلنبدأ بأنفسنا، ولنحذر كل الحذر الإساءة إلى الجيران، فإن العاقبة وخيمة، والعقوبة أليمة، واللعنة تنتظر المؤذي، والذنب مضاعف، فلينتبه، ولقد أوصى الإسلام بالجار وأعلى من قدره.
فللجار في الإسلام حرمة مصونة وحقوق كثيرة، لم تعرفها قوانين وشرائع البشر والدول، تلك القوانين والشرائع الوضعية التي تتنكر للجار وتستمرئ العبث بحرمته، فقد قرن الله حق الجار بعبادته وتوحيده، وبالإحسان للوالدين واليتامى والأرحام، ومن صور أذية الجيران تأجير من لا يرغبون في إسكانه بينهم، كحال من يؤجر للعزّاب بين البيوت الآهلة بالحُرم، أو من يؤجر للفسقة المنحرفين الذين يخشى منهم إفساد أبناء الحي، أو كحال من يؤجر المحلات التي تجلب الضرر على الجيران، كقصور الأفراح ومحلات المقاهي والاستراحات ونحوها، وقال ابن رجب رحمه الله “ومذهب أحمد ومالك أن يمنع الجار من أن يتصرف في خاص ملكه بما يضرّ بجاره”
وقريب من هذا أن يبيع الرجل ما يملكه من منزل أو أرض دون عرض ذلك على جيرانه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “من كانت له أرض فأراد أن يبيعها فليعرضها على جاره”