المقالات

الدكروري يكتب عن حكيم والبختري في الحصار

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد كان حصار شعب أبي طالب فيه إبتلاء ونصر للمسلمين، وقد ذكر ابن إسحاق أن حكيم بن حزام، وكان آنذاك مشركا، كان يحمل القمح مع غلام له ليوصله إلى عمته خديجة وهي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب بني هاشم، فلقيه أبو جهل فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ فتدخل أبو البختري المشرك وقال طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها، خلى سبيل الرجل، فأبى أبو جهل فتقاتلا، فأخذ أبو البختري فك بعير فضرب به أبا جهل، وداس عليه دوسا شديدا وحكيم بن حزام الذي خرق الحصار الاقتصادي كان آنذاك كافرا، وأبو البختري الذي أعان حكيما عاش كافرا ومات كافرا في بدر، ومع هذا وقف هذا الموقف وتحمل الأذى ليرفع الظلم، وهشام بن عمرو كان يأتي بالبعير المحمل بالمؤن ليلا.

حتى إذا بلغ مدخل الشعب ضرب البعير ليدخل الشعب المرة تلو المرة ليخفف من أثر الحصار ما استطاع، فأغلظ له كفار قريش القول وهموا أن يبطشوا به، فقال أبو سفيان بن حرب دعوه رجل وصل أهل رحمه، أما إني أحلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان أحسن بنا، و هشام بن عمرو كان آنذاك كافرا، وأبو سفيان كان آنذاك كافرا، ولكنها هى النخوة فى الجاهلية، وقد روى بعض الصحابة الذين شهدوا الحصار أنهم لم يجدوا حتى ما يلبسون، فكانوا يشقون البردة بينهم ليستروا أجسادهم بها، وأن أفواههم تقرحت من أكل ورق الشجر اليابس، لكنهم صبروا وتماسكوا على هذه المعاناة حتى انتهى الحصار، فلم يعجب أهل النخوة والمروءة من قريش هذا الوضع الذي وصل إليه بنو هاشم وبنو عبد المطلب.

وقرروا الخروج عن صمتهم والسعي لوقف هذا الحصار الظالم، فكانت مواقف رجال منهم سجلها التاريخ لهم، وكان منهم هو هشام بن ربيعة وكان هشام بن عمرو بن ربيعة سيدا في قومه، وتسمع كلمته، وكان بينه وبين بني هاشم قرابة، فبادر لإنهاء هذه المقاطعة، فجعل يمشي بين رجال من قريش لهم شأن، ويقنعهم بضرورة وقف الحصار وإنهاء الظلم عن بني جلدتهم، فجمع حوله خمسة من الرجال قد اتفقوا جميعا على نقض الصحيفة، وهناك أيضا زهير بن أبي أمية، وكان زهير بن أمية تربطه صلة قرابة ببني عبد المطلب، فهم أخواله لأن أمه هي عاتكة بنت عبد المطلب، فجاء إلى قريش وهي مجتمعة في أنديتها، وخاطبهم خطابا يثير حميتهم، وكان قد جاء إليه هشام بن ربيعة.

فكان بذلك رجلان مهمان اجتمعا على قرار واحد وهما هشام بن ربيعة وزهير بن أميّة، فبحثا عن رجل ثالث يسندهما في رأيهما، فمشيا إلى المطعم بن عدي، فوافقهم على رأيهم، فأصبحوا ثلاثة، ثم ذهبوا إلى البختري بن أبي هشام، ثم إلى زمعة بن الأسود بن عبد المطلب، فكانوا بذلك خمسة رجال وتواعدوا أن يجتمعوا ليلا في مكان يسمى الحجون، وهو جبل يشرف على مكة، حتى إذا كان الصباح بدأ زهير بن أمية الكلام، وطاف حول البيت سبع مرات، ونادى بالناس ليجتمعو حوله، فقال ” يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى، لا يباع لهم ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة” فاعترضه أبو جهل وكذبه، فقام الذين كانوا مع زهير يدعمونه ويوافقونه الرأي.

فعلم أبو جهل أن هذا الأمر دبّر من قبل وتم الاتفاق عليه، وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصحيفة على وشك أن تمزق، وذلك بوحي الله تعالى له، فجاء إلى عمه أبي طالب يخبره ذلك، وطلب منه الذهاب إلى قريش، ليخبرهم بذلك الخبر، فلما رأت قريش أبا طالب مقبلا عليهم فرحوا ظنا منهم أن بني هاشم استسلموا وجاءوا ليسلموهم محمد لقتله، ولكن طلب منهم أن يخرجوا الصحيفة ويقرؤوها، ولما جاؤوا بها ذهلوا من هول ما رأوا، فقد كانت دودة الأرضة وهي حشرة عثة تصيب الملابس والأوراق وتتلفها أكلت كل الصحيفة ولم يتبقى منها سوى كلمة “باسمك اللهم” وبذلك تكون الصحيفة قد بطلت وبطل كل ما فيها وانتهت هذه الأيام العصيبة على المسلمين.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار