الدكروري يكتب عن سبل تحقيق الأخوة
الدكروري يكتب عن سبل تحقيق الأخوة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
أنه لا بد من بصر ينظر وبصيرة تتدبر، لتبرز العبرة، وتعيها القلوب، وإلا فالعبرة تمر في كل لحظة في الليل والنهار، فبدون الجمع بين الإدراك الحسي والإدراك البصائري لن يكون هناك اعتبار، فالكثير من الآيات مبثوثة في الكون لا تجد من يلتقطها ويعتبر بها، وأن الاستغراق في شهوات الدنيا، ورغائب النفوس، ودوافع الميول الفطرية هو الذي يشغل القلب عن التبصر والاعتبار، ويدفع بالناس إلى الغرق في لجة اللذائذ القريبة المحسوسة; ويحجب عنهم ما هو أرفع وأعلى، وإن الإسلام دائما حريص على إيجاد مجتمع متكافل متراحم يتآلف أبناءه ويتعاونون فيما بينهم على الخير والبر كأنهم جسد واحد، ولا شك أن من سبل تحقيق الأخوة، بل ومن سبل إستمرارها ودوامها هو الاصلاح بين الناس.
اذا ما انقطعت هذه المودة والمحبة والالفة، فالإصلاح بين الناس قيمة عظيمة وخصلة كريمة، ومما يبين لنا مكانتها تأكيد القرآن الكريم عليها في غير موضع، والقرآن الكريم يؤكد على الاصلاح بين الناس حتى بين أنه من أفضل الكلام وخير الأقوال، فطوبى لمن يسعون في الاصلاح بين الناس، وإن الحب بين البشر دون إحترام يعني اعتبارهم حيوانات مفضلة، وإطعامهم دون حب يعني معاملتهم كحيوانات حقيرة، وإن احترام الذات واحترام العقل واحترام الفكر الحر يدعونا إلى الصدق مع أنفسنا والبعد عن خداعها بكبرياء وجحود، ويمكن للإنسان أن يدخل قلوب الآخرين دون أن ينطق بكلمه واحدة، إذ يكفيه سلوكه الناطق بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة، وعندما لا تشعر بمن حولك.
ممن جرحتهم ولا تهتم بأحاسيسهم ولا تبالي بمشاعرهم، اعلم أنك فاقد بعض الأدب والأخلاق والاحترام، فلا تحاول أن تبحث عن الوجه الثاني من أي شخص حتى لو كنت متأكد أنه سيء، يكفي أنه احترمك، وأظهر لك الجانب الأفضل منه، وإن لكل إنسان باطنا وظاهرا، وسريرة وعلانية، فالباطن ما كتم وأَسر، والظاهر ما أبدى وأظهر والله سبحانه وتعالى يعلم السر والجهر، وما أخفى العبد وأظهر فليس شيء في القلوب يخفى على علام الغيوب، فيقول تعالى فى سورة طه “وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى” ويقول تعالى فى سورة النحل ” والله يعلم ما تسرون وما تعلنون” ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى “إن الظاهر لا بد له من باطن يحققه ويصدقه ويوافقه” وإن الأصل في المؤمن الصادق.
أن تستوي سريرته وعلانيته، وظاهره وباطنه، كما قال يزيد بن الحارث “إذا استوت سريرة العبد وعلانيته فذلك النصف، وإن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل، وإن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور” والإسلام حرص كل الحرص على صلاح الظاهر ليبدو المجتمع مجتمعا طاهرا نقيا نظيفا طيبا، ولكنه أيضا اهتم أكثر بنقاء الباطن وجعل عليه المعول، فغالبا ما يكون صفاء الباطن داعيا ومؤديا إلى صلاح الظاهر فالارتباط بينهما لازم، فيقول شيخ الإسلام “الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورا وأحوالا” وقال مالك بن دينار”القلوب كالقدور.
والألسنة مغارفها، فإذا تكلم العبد فاسمع ما يقول فإنما يغترف لك لسانه من قلبه” وهذا المعنى أخذه مالك من الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”