الدكروري يكتب عن سر توبة ذو النون المصري
الدكروري يكتب عن سر توبة ذو النون المصري
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الدكروري يكتب عن سر توبة ذو النون المصري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن الإمام ذو النون المصري، وقيل أنه ولد ذو النون المصري بإخميم من صعيد مصر، ويرى بعضهم أن أصله من النوبة، ثم نزل إخميم فأقام بها، حيث إن أباه كان نوبيا، وكان يحيا أول الأمر حياة إنسانية كتلك التى يحياها الناس جميعا، يخضعون فيها لسلطان نفوسهم، وتفتن فيها الشهوات والملذات والمنافع المادية العاجلة نفوسهم، ولكنه ما لبث أن عرض له عارض، فإذا هو يتوب، وسئل ذو النون عن سبب توبته فقال نمت بالصحراء، ثم فتحت عينى، فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها، فانشقت الأرض فخرج منها سكرجتان، إحداهما ذهب، والأخرى فضة، فى إحداهما سمسم، والأخرى ماء، وجعلت تأكل من ذا وتشرب من ذا، فقلت حسبى، فتبت.
وبعد أن اهتدى ذو النون إلى طريق الله عز وجل ساق القدر له شيوخا أخذ عنهم أصول الطريق، وذلك مثل شقران العابد وإسرافيل المغربى وفاطمة النيسابورية، وقيل كتب إليه رجل يسأله عن حاله، فكتب إليه ذو النون مالى حال أرضاها، ولا لى حال لا أرضاها، كيف أرضى حالى لنفسى إذ لا يكون منى إلا ما أراد من الأحوال، ولست أدرى أيا أحسن حالى فى حسن إحسانه إلىّ، أم حسن حالى فى سوء حالى إذ كان هو المختار لى، غير أنى فى عافية ما دمت فى العافية التى أظن أنها عافية، وروى عنه أبو نعيم وغيره أنه قال كيف أفرح بعملى وذنوبى مزدحمة، أم كيف أفرح بعملى وعاقبتى مبهمة، وفى أثناء عرضه على الخليفة المتوكل يجمل المؤرخون أنه لما دخل عليه وعظه، فبكى المتوكل ورده إلى مصر معززا مكرما.
ثم قال ذو النون يا أمير المؤمنين، رجل يعلم أن الله خلقه، وخلق الجنة من أجله إن أطاعه، وخلق النار من أجله إن عصاه، لا يكون على مثل ما رميت من البدعة، ولا على مثل ما كنت من الغفلة، فبكى وخلى عنى وفى الحقيقة لم يكن خلاص ذى النون المصرى من الخليفة المتوكل بهذه الموعظة التى ذرفت منها عين المتوكل فحسب، وإنما كان وراء ذلك عامل مهم، ما كان ليغفل عنه فى مواطن الشدة أمثال ذى النون، وهو طرق باب السماء، واللجوء إلى من بيده الأمر والملكوت، ولأهمية الإخلاص فى قبول العمل قال ذو النون اعلموا أنه لا يصفو للعامل عمل إلا بإخلاص، فمن أخلص لله لم يرج غير الله، واعلم أنه لا قبول لعمل يراد به غير الله، فمن أراد طريقا إلى الإخلاص فلا يدخلن أحدا فى إرادته غير الله.
فشمر عن ساقك، واحذر حذر رجل لم يدخل فى العظمة لله تعظيم غير الله، وجعل الغالب على قلبه أنه لولا الله ما عملت عملا، فإذا غلب على قلبك ذلك فقد صفا قلبك بالإخلاص، والإخلاص يحتاج إلى الصدق، والصدق يحتاج إلى الإخلاص، فهما قرينان، ويجمع بينهما ذو النون قائلا الإخلاص لا يتم إلا بالصدق فيه والصبر عليه، والصدق لا يتم إلا بالإخلاص فيه والمداومة عليه، ويتجه إلى ربط المعرفة بالشريعة، فيقول علامة العارف ثلاثة لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يعتقد باطنا من العلم ينقض عليه ظاهرا من الحكم، ولا تحمله كثرة نعم الله عز وجل عليه على هتك أستار محارم الله تعالي.