الدكروري يكتب عن صاحب كتاب رؤوس المسائل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن فقهاء الإسلام والذي كان من بينهم الإمام الزمخشري، وكان من مؤلفاته هو كتاب رؤوس المسائل، وهي المسائل الخلافية بين الحنفية والشافعية للزمخشري، وهو صاحب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، وقال ابن خلكان كان إمام عصره غير مدافع، تشد إليه الرحال في فنونه، وكان معتزلي الاعتقاد، متظاهرا به، أي لا يخجل من إعلانه وإظهاره، وهو علم فذ من أعلام المؤلفين بالعربية في إطار الحضارة الإسلامية، وهو منسوب إلى زمخشر في إقليم خوارزم في الجنوب الشرقي من آسيا الوسطى، لم تكن زمخشر في عهده مقرا للحكم ولكنها كانت قرية كبيرة من قرى خوارزم، ونشأ الزمخشري وعاش أكثر حياته في آسيا الوسطى.
ولكنه جاور في مكة المكرمة زمانا، فعرف كذلك بجار الله، وهكذا كان شأن كثير من علماء المشرق الآسيوي، تبدأ حياتهم في موطنهم المحلي ثم ينتقلون إلى المنطقة العربية ثم يعودون إلى بلادهم، وكانت المنطقة التي نشأ بها متعددة اللغات، العربية لغة الدين والعلوم والفارسية لغة أدبية صاعدة، والقبائل التركية أو الكردية تتعامل بلهجاتها أيضا في معاملاتها اليومية، وفي هذه الظروف كانت اللغة العربية هي لغة الصفوة المتميزة من العلماء، وهي اللغة المنشودة كان كل من أراد العلم وفنونه أتقن العربية وكذلك كل من تطلع إلى امتزاج كيانه بالإسلام أجاد العربية، وهكذا كانت نشأة الزمخشري، وكما يقول الدكتور مصطفى الصاوي الجويني ولن نقول إنه صار عربيا على الفرس في وقت خمدت فيه جذوة الشعوبية.
ولكنا نقول إنه صار إسلاميا لا هو بالفارس المتحمس ولا بالعربي المصطنع الحمية لهم، وهذه النظرة إنما هي نظرة من اتسع أفقه العقلي وسما تفكيره، فلعل أسرته الدينية وبيئته المسلمة التي كانت في نزاع دوما مع جيرانها الكفار نضحا عن الإسلام كما مر بنا قبل ثم ما اتسم به عصر الزمخشري من نزاع بين المسلمين والصليبيين وحروب تستعر بينهم باسم الدين إلى جانب عربية أستاذه وخلقه لعل هذا كله أصل في أعماق نفس الزمخشري حب العرب دينهم وعلمهم وأوطانهم فصار إسلاميا خالصا، فهو يؤلف كتاب المفصل في النحو لما بالمسلمين من الأرب إلى معرفة كلام العرب ويؤلف كتاب مقدمة الأدب لتعليم الفرس العربية ذلك لأن الحاجة إلى اللسان العربي سائحة في الملة الإسلامية.
وقد تهيأت أمامه الظروف لتعلم العربية والتبحر فيها منذ نعومة أظفاره، إذ يقول ابن خلكان أنه لما بلغ سن الطلب رحل إلى بخارى لطلب العلم، وبخارى يومئذ كانت مشهورة بالآداب إذ يصفها الثعالبي بقوله كانت بخارى في الدولة السامانية بمثابة المجد وكعبة الملك ومجمع أفراد الزمان ومطلع نجوم أدباء الأرض وموسم فضلاء الدهر، ولا شك أن أباه دفع به إلى هناك ليثقف العربية والأدب فيحظى بالمناصب التي كان يرقاها كل أديب نابغ في عهد نظام الملك وما من شك أيضا في أنه ثقف فيما ثقف أيضا هناك علم الحديث أيضا.
الدكروري يكتب عن صاحب كتاب رؤوس المسائل