الدنيا دار التواء لا دار استواء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين،
نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، إن المتأمل في رسالة النبي الكريم
محمد صلى الله عليه وسلم يلحظ أنها اشتملت على ثلاثة أنواع من التيسير هو تيسير
أصلي، وتيسير لأجل عارض، وتيسير لأجل التدارك، فالتيسير الأصلي وهو الأصل
في الرسالة المحمدية، فقد جاءت ابتداء بالتيسير والتخفيف في جميع تكاليفها،
من جهة الكم والنوع والشروط، ومن صور التيسير الأصلي في شريعة النبي صلى الله
عليه وسلم هو التيسير في تعلم الشريعة وإدراكها، ومن أبرز أمثلة هذا النوع نزول
القرآن على سبعة أحرف، والمراد بالسبعة الأحرف هو سبع لغات متفرقة في القرآن
العظيم، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل.
وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وكذلك سائر العرب، وليس المراد أن يكون
في الحرف الواحد سبعة أوجه، ولنعلم جميعا بأن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء،
ومنزل ترح لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار
بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة
من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، وأن تؤمن أن المال الحقيقي
هو الذي تنتفع به فقط، وهو المستهلكات، فما سوى الذي تستهلكه ليس مالك،
إنما هو كسبك وسوف تحاسب عليه، من أين اكتسبته ؟ وكيف أنفقته ؟ فعن عبد الله
رضي الله عنه قال “أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر،
فقال عليه الصلاة والسلام “يقول ابن آدم مالي مالي ، وهل لك يا بن آدم
إلا ما أكلت فأفنيت ؟
أو لبست فأبليت ؟ أو تصدقت فأبقيت ؟ رواه مسلم، فإن ما الذي تملكه حقيقة ؟
هو الذي أكلته والذي لبسته والذي أكلته سوف يفنى وسوف ترى مصيره،
والذي لبسته سوف يبلى، ولم يبق لك مما هو لك في الأصل إلا ما تصدقت فأبقيت،
وهى كلمة لك، فإن لك ما تصدقت، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوزع شاة
وزع معظمها فقالت السيدة عائشة رضى الله عنها” يا رسول الله لم يبق إلا كتفها،
أي ابقه لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا عائشة لقد بقيت كلها إلا كتفها”
وهذا على العكس فالرسول الكريم ينظر إلى الأجر يوم القيامة وليست الدنيا،
وأعلم ما هو مالك ؟ فإن مالك هو الذي أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت
فأبقيت فهو ثلاثة أثلاث، الثلثان ليسا لك، ليس لهما رصيد في الآخرة، والثلث الذي
يبقى في الآخرة هو الذي يبقى في سبيل الله.
وما سوى هذه الأثلاث الثلاثة ليس مالك في الأصل إنما هو كسبك وأنت محاسب عليه، فغنظروا إلى وصية الرجل الذى أوشك على الرحيل وهو يقول يا أهلي،ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت ب، جمعت المال مما حلّ أو حرم فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي وأندم الناس رجل دخل ورثته بماله الجنة ودخل هو بماله النار، والمال نفسه ورثه أبناؤه حلالا فأنفقوه في طاعة الله فاستحقوا الجنة وكسبه حراما، ولم ينتفع به وأعطاه لغيره لأنه كسبه عن طريق حرام استحق به دخول النار وإن أندم الناس عالم دخل الناس بعلمه الجنة ودخل هو بعلمه النار، وأندم الناس من دخل ورثته بماله الجنة، ودخل هو بماله النار فيقول الله تعالى فى سورة الحديد “اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر فى الأموال
والأولاد”
وأن توقن أن مالك الحقيقي هو الذي أنفقته في سبيل الله، وأن الذي استمتعت به أكلت وشربت ولبست، ليس له رصيد في الآخرة ، وما سوى هذه الثلاثة ليس لك في الأصل، تحاسب عليه ولا تنتفع به.