المقالاتشريط الاخبار

الرجولة و الذكورة

جريدة موطني الدولية

الرجولة و الذكورة

 

بقلم : محمود توفيق النقيب

 

الرجولة ليست مجرد إسم تحمله فهي ليست متمثلة في فحولة الجسد وتربية الشوارب وبروز العضلات
ولكنها أقوال وأفعال فالذكور في زماننا كثيرون والرجال نادرون فليس كل ذكر برجل وليس كل رجل بذكر ، ليس كل ذكر رجل فالرجولة ليست مجرد تركيب تشريحى أو وظائف فسيولوجية ، ولكن الرجولة مجموعة صفات تواتر الإتفاق عليها مثل القوة و العدل و الرحمة و المروءة و الشهامة و الشجاعة و التضحية و الصدق و التسامح و العفو و الرعاية و الإحتواء و القيادة و الحماية و المسئولية .
و قد نفتقد هذه الصفات الرجولية فى شخص ذكر و قد نجدها أو بعضها فى امرأة و عندئذ نقول بأنها إمرأة كـالرجال أو امرأة بـ ألف رجل لأنها إكتسبت صفات الرجولة الحميدة و هذا لا يعنى أنها امرأة مسترجلة بل هي امرأة توفرت فيها كل صفات الرجولة … فهل كل ذكر يستحق أن يحمل اسم رجل ؟ هل كل ذكر تتوفر داخله صفات الرجولة ليعتبر نفسه من مجتمع الرجال ؟
الرجولة من منظور الإسلام:
المتأمل في القرآن الكريم يكتشف أن الرجولة وصف لم يمنحه الحق تبارك وتعالى إلى كل الذكور، ولم يخص به إلا نوعًا معينًا من المؤمنين، لقد منحه لمن صدق منهم العهد معه، فلم يغير ولم يبدل، ولم يهادن، ولم يداهن، ولم ينافق، ولم يتنازل عن دينه ومبادئه، وقدم روحه شهيدًا في سبيل الله، أو عاش حياته في سبيله مستعدًا ومنتظرًا أن يبيعها له في كل وقت، نفهم هذا من قول الله عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23]، فقد بين سبحانه صفات الرجولة بعد أن أكد أنه من المؤمنين رجال وليس كل المؤمنين رجالاً.
فتجد فى القرآن الكريم يرد لفظ ذكر فى مواضع مثل آيات الأحكام و المواريث { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ … [النساء: 11] , و يرد لفظ رجل فى مواضع أخرى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً[الأحزاب:23].
والرجولة وقوف في وجه الباطل، وصدع بكلمة الحق، ودعوة مخلصة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، واستعلاء على الكافرين، وشدة على المنحرفين وأصحاب الأهواء، وابتعاد عن نفاق وتملق ومداهنة السلاطين وأصحاب النفوذ، ومواجهة للظلم والظالمين مهما عظم سلطانهم، ومهما كلف تحديهم، واستعداد للتضحية بالغالي والنفيس والجهد والمال والمنصب والنفس من أجل نصرة الحق وإزالة المنكر وتغييره …كثير من الناس اليوم خلط بين أمرين هامين ، وهما ( الرجولة والذكورة ( وإن الناس اليوم تُسَرُّ بالذكر وربما تأسى للأنثى والحقيقة أن الفرح يكون بتربية المولود على مقومات الرجولة بغض النظر عن جنس المولود ذكرا كان أم أنثى والقاعدة تقول ( كل رجل ذكر ، وليس كلُّ ذكرٍ رجلاً (لأن الذكورة هي جنس فقط لاستمرارية الحياة على وجه الأرض/ كما أن صفة الرجولة قد ألبسها البعض في عصرنا الحديث ثوبَ زورٍ لا يناسبها ولا يليق بها، ووصفوها بأوصاف تترفع عنها وتأنف أن تتواصل بها إلى الناس إذ جعلوها تارة صفة للفحولة والذكورة، وتارة صفة للقدرة على الغلبة ، وتارة صفة للقدرة على ظلم الغير بغير حق، وتارة صفة على طول الشوارب وفتل العضلات، وكل هذه الأمور ليست من الرجولة في شيء فحيوان مثل الفيل أقوى منَّا بكثير، إن الرجولةَ الحقةَ هي مواقفٌ وأخلاق الرجولة مبدأ الرجولة موقف الرجولة صدق ووضوح الرجولة أخلاق ونُبْل رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة …فهي الرحمة في موضعها والشدة في موضعها والخلق الحسن حتى في أصعب الظروف والثبات على المبدأ حتى في أشد اللحظات إيلاما وتكون الرجولة في الصدق والإخلاص الرجولة هي الأخلاق التي ترفع صاحبها لمنزل القائم العابد مع قليل العمل ذكراً كان أو أنثى ففي الأدب المفرد للبخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ~ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ» ,وعند ابن حبان والطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ~، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الظَّامِئِ بِالْهَوَاجِرِ» ويعبر بعض العلماء عن الرجولة بالمفهوم الإسلامي بالفتوة، والفتوة في الإسلام هي القدرة على الصفح ونسيان الألم الذي يلاقيه الإنسان من إخوانه في بعض الظروف وكذا الصفح عن زلاتهم معه ومع غيره، وهذه بعض تعريفات العلماء للفتوة: قال الإمام أحمد في تعريف الفتوة والرجولة: (ترك ما تهوى لما تخشى) فهو يراها القدرةَ على السيطرة على النفس وهواها ورغباتها وكبحَ جماحها خوفاً من الوقوع في غضب الرب الجبار سبحانه وإشفاقاً من عذاب الله تعالى ، وفيها دليل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:” ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ” ..وأما الإمام الجليل سهل فهو يراها القدرة على الثبات في متابعة السنة حتى الموت فمن قدر على متابعة السنة ظاهرا وباطنا فهو الرجل
وقال بعضهم: ” فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها ” فهو في نظرته للرجولة يؤكد على أنها فضيلة يتصف بها المرء ويراها محض فضل من المعطي سبحانه الغنى الجواد الكريم ” وما بكم من نعمة فمن الله “. وقال في موضع آخر: ” إظهار النعمة وإخفاء المحنة ” ويرى بعض العلماء أن الرجولة الإسلامية والفتوة الإيمانية الحقة ، هي إظهار النعمة والتحديث بها وبيان الاستغناء عن الخلق بالخالق وإخفاء الآلام والمحن وبث الشكوى لله وحده فهي مظهر رفيع من مظاهرالرجولة والفتوة .
وباستقصاء كلام العلماء الأشراف وما اتفقت عليه مروءات الرجال عبر العصور وأجمعت عليه عقول ذوي النهى والبصيرة أستطيع أن أجمل بعضاً من سمات الرجولة والفتوة في دين الله، فمن اتصف بها فهو الرجل الفتى، ومن جانبها فهو العاري عن تلك الأوصاف:
أولاً- ترك الخصومة والتغافل عن الذلة ونسيان الأذى : فلا يخاصم بلسانه ولا ينوى الخصومة بقلبه ، وهو في ذلك عامل بوصف النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي شهد له أنه من أهل الجنة ” لأنه كان يبيت وليس في قلبه غل لأحد “
ثانياً- أن تقرب من يقصيك وتكرم من يؤذيك .. وهي سمة للرجولة رآها العلماء في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم_ فكم من مؤذٍ للنبي صلى الله عليه وسلم_ أعطاه النبيُّ ثم أعطاه ليرضى وكم من مقصٍ له قربه ‘ ليدعوه إلى الخير والإيمان والهدى .
ثالثاً- أن ينظر إلى عيوب نفسه ولا يرى عيوب غيره ، فلا يتحسس أحوالهم عليهم راجياً نبش العيوب، بل يسترها ويبحث في علاج نفسه .
رابعاً- بذلُ النفسِ والجَهْد في معونة المؤمنين ومساعدتهم وقضاء حوائجهم في كل وقت بغير مسألة منهم.
ولعل أبلغ قصة في معاني الرجولة ما ذكره الله عز و جل في قصة موسى عليه السلام و المرأتين اللتين كانت تذودان ولا تسقيان حتى يصدر الرعاء و أبوهما شيخ كبير ، و هناك تجلت معاني الرجولة ثم انظر في وصفهما له ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) . ومن المحن يخرج الرجال ومن التمحيص تكون الترقيةُ في مدارج العبودية قال تعالى (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا)
قال الله تعالى في كتابه العزيز (الرجال قوامون على النساء) ” وليس ( الذكور قوامون على النساء) وقيل إن الرجالَ ثلاثةُ أنواع:
رجل لا يساوي شيئا
ورجل يساوي نصفَ رجل
ورجل يساوي رجلاً
فاللاشيء .. هو من لا رأي له ولا يستمع لرأي الناس ونصف الرجل .. هو من لا رأي له ولكنه يسير برأي الناس والرجل هو من له رأي ويستمع لرأي الناس
واخيرا أقول : إن الرجولة هي اجتماع الخُلُقِ بالدِّين وقد روى الترمذي وابن ماجه عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» وهذا الأمر إن تم تطبيقه في الزواج أو في اختيارِ الأصدقاء يكون قاعدةً جيدةً لمن أرادَ فرزَ معادنِ رجولةِ المحيطين به .. وكلما انسجمت الأخلاقُ العاليةُ مع دينِ الرجلِ كلما سَمَتْ درجةُ الرجولة وعَلَتْ ..

المصادر

القرآن الكريم

سنن الترمذي

سنن ابن ماجة

تعريفات لبعض الاءمة والفقهاء

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار