
الرسالة العامة لكل العالمين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد إن المتأمل اليوم لكثرة المسلمين في شتى بقاع الأرض ومن كل اللغات ومن كل الأجناس ليعلم أن هذه الرسالة عامة لكل العالمين، وأن من يقول بخصوصيتها لأهل اللسان العربي ليعارض النصوص من الكتب السماوية الصريحة، ويغمض عينيه عن ما يشهد به الواقع البشري اليوم ومن قبل، منذ بعثة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا، ويقول ابن تيمية رحمه الله أنزل عليه القرآن باللسان العربي، كما أنزلت التوراة باللسان العبري وحده، ونبي الله موسى عليه السلام لم يكن يتكلم إلا بالعبرية، وكذلك المسيح عليه السلام.
لم يكن يتكلم بالتوراة والإنجيل وغيرهما إلا بالعبرية وكذلك سائر الكتب لا ينزلها الله إلا بلسان واحد، بلسان الذي أنزلت عليه ولسان قومه الذين يخاطبهم أولا، ثم بعد ذلك تبلغ الكتب وكلام الأنبياء لسائر الأمم، إما بأن يترجم لمن لا يعرف لسان ذلك الكتاب، كما حدث في قصة الكتاب لهرقل وغيره من الملوك وإما بأن يتعلم الناس لسان ذلك الكتاب فيعرفون معانيه، وإما بأن يبين للمرسل إليه معاني ما أرسل به الرسول إليه بلسانه، وإن لم يعرف سائر ما أرسل به، فالحجة تقوم على الخلق ويحصل لهم الهدى بمن ينقل عن الرسول تارة المعنى وتارة اللفظ ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى والقرآن يجوز ترجمة معانيه لمن لا يعرف العربية باتفاق العلماء وأبناء فارس المسلمون لما اعتنوا بأمر الإسلام، ترجموا مصاحف كثيرة، فيكتبونها بالعربي ويكتبون الترجمة بالفارسية.
وكانوا قبل الإسلام أبعد عن المسلمين من الروم والنصارى، فإذا كان الفرس المجوس قد وصل إليهم معاني القرآن بالعربي وترجمته، فكيف لا يصل إلى أهل الكتاب وهم أقرب إلى المسلمين منهم ؟ وعامة الأصول التي يذكرها القرآن عندهم شواهدها، ونظائرها في التوراة والإنجيل والزبور، وغير ذلك من النبوات، بل كل من تدبر نبوات الأنبياء، وتدبر القرآن جزم يقينا بأن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله حقا، وأن موسى عليه السلام رسول الله صدقا، لما يرى من تصادق الكتابين التوراة والقرآن، مع العلم بأن موسى عليه السلام لم يأخذ عن محمد صلى الله عليه وسلم، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأخذ عن موسى عليه السلام، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحاله، كان أميّا، لا يقرأ ولا يكتب، ومن قوم أميين.
ولم يكن عندهم من يحفظ التوراة والإنجيل ولا الزبور، وكان محمد صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة لم يخرج من بين ظهرانيهم، ولم يسافر قط إلا سفرتين إلى الشام، فقد خرج مرة مع عمه أبي طالب قبل الاحتلام، ولم يكن يفارقه، ومرة أخرى مع ميسرة في تجارته، وكان ابن بضع وعشرين سنة مع رفقة كانوا يعرفون جميع أحواله، ولم يجتمع قط بعالم أخذ عنه شيئا لا من علماء اليهود ولا النصارى ولا من غيرهم لا بحيرى ولا غيره، ولكن كان بحيرى الراهب لما رآه عرفه، لما كان عنده من ذكره ونعته، فأخبر أهله بذلك وأمرهم بحفظه من اليهود ولم يتعلم لا من بحيرى ولا من غيره كلمة واحدة، وقد دافع الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه ردا على من يزعم تعليم البشر له بقوله تعالي في سورة النحل ” ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ”
ففي الآية تكذيب لهم لأن لسان الذي نسبوا إليه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أعجمي لا يفصح والقرآن عربي غاية في الوضوح والبيان، هذا مع أن في القرآن من الرد على أهل الكتاب في بعض ما حرفوه مثل دعواهم أن المسيح عليه السلام صلب، وقول بعضهم أنه إله وقول بعضهم أنه ساحر، وطعنهم على سليمان عليه السلام وقولهم أنه كان ساحرا، وأمثال ذلك ما يبين أنه لم يأخذ عنهم وفي القرآن من قصص الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام ما لا يوجد في التوراة والإنجيل، مثل قصة هود وصالح وشعيب وغير ذلك، وفي القرآن من ذكر المعاد وتفصيله وصفة الجنة والنار والنعيم والعذاب، ما لا يوجد مثله في التوراة والإنجيل، كما أن اللسان العربي من أفصح لغات الآدميين وأوضحها.
الرسالة العامة لكل العالمين
والناس متفقون على أن القرآن في أعلى درجات البيان والبلاغة والفصاحة، وفي القرآن من الدلالات الكثيرة على مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم التي يذكر فيها أن الله تعالى أرسله إلى أهل الكتاب وغيرهم مالا يحصى إلا بكلفة.