
الشرق الأوسط يحترق… وصناع النار يجلسون بعيدًا
بقلم : د . هاني المصري
—————————
في مشهد لا يختلف كثيرًا عن لوحة شطرنج كونية، يقف الشرق الأوسط اليوم في قلب صراع محتدم لا يُخاض بالسلاح المباشر، بل عبر حروب بالوكالة يديرها كبار اللاعبين على الساحة الدولية. فالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تمدان إسرائيل بالسلاح والعتاد، في حين تقف في الجهة المقابلة كل من روسيا، والصين، وباكستان، مساندة لحلفائها الإقليميين. وبينما تتراكم شحنات الصواريخ والطائرات دون طيار، وتنتشر منظومات الدفاع الجوي في سماء المنطقة، يظل الخاسر الأكبر حاضرًا بلا صوت: الشعوب.
صراع الكبار على أرض ليست أرضهم
منذ عقود، لم يكن الشرق الأوسط إلا ساحة مفتوحة لصراعات المصالح الدولية. لكن ما نشهده اليوم يتجاوز حتى الحرب الباردة، إذ تتداخل المصالح النووية، والسيطرة على طرق التجارة العالمية، ومصادر الطاقة، مع العقائد السياسية والدينية. إسرائيل أصبحت تمثل رأس الحربة الغربية، مدعومة تقنيًا وعسكريًا من أمريكا وبريطانيا، وباتت قاعدة متقدمة لردع النفوذ الإيراني، بل ولإرسال رسائل ضغط إلى بكين وموسكو.
الرد القادم من الشرق
وفي المقابل، تبدو إيران أكثر تحالفًا مع الثلاثي الروسي-الصيني-الباكستاني. فكل من هذه الدول يرى في دعم إيران ومناصريها بالمنطقة فرصة لإضعاف النفوذ الغربي، وتمديد أذرعهم في ملفات حساسة كأمن الخليج، ومستقبل الطاقة، والسيطرة على الممرات البحرية.
الشرق الأوسط: ضحية مستمرة
ليست هذه مجرد معركة عسكرية؛ إنها حرب مفاهيم وهيمنة وإعادة تشكيل توازنات العالم. ولكن المشكلة الأكبر تكمن في أن ميادين الحرب ليست واشنطن أو لندن، ولا موسكو أو بكين، بل دمشق، وبغداد، وغزة، وبيروت، وصنعاء. دماء المدنيين تسيل، والاقتصادات تُستنزف، والآمال في الاستقرار تتحطم.
إلى متى نكون وقودًا ؟
قد آن الأوان أن يسأل أبناء هذه المنطقة: من نحن في هذا الصراع؟ هل نكتفي بدور الوكيل الذي يموت نيابة عن موكليه؟ هل نقبل أن نكون مجرد خرائط في ملفات استخبارات الدول الكبرى؟ إن استقلال القرار العربي لم يعد رفاهية، بل ضرورة وجودية، وإذا لم نمتلك أدوات الرفض، فسنُستهلك حتى آخر طفل في مدرسة وآخر جندي على الحدود.
الشرق الأوسط يحترق… وصناع النار يجلسون بعيدًا