قصة

العجوز والعاقر

جريدة موطنى

العجوز والعاقر

 بقلم الأديب الشاعر رامي زيدان.

في عام 1952وفي قرية فقيرة أحدي قري المنصوره يقنط عم لاشين الشيخ المسن الذي يبلغ عمره 82عام بعدما تركه أبناءه وسافروا للخارج ولم يعودوا بعد ، كان جليس وحدته ، يبدو عليه الصبر والغلب ،كان شكله قد هلك من طيات السنون فنحني ظهره قليل ، أما ووجهه كان زواي وحاد وبه نمش وتجاعيد وكرمشة قد تكون بارزة، وشعره أبيض كالنهار ، وعينيه كانت متسعة وحمراء كالون الدم ، وأذنه كبيرة مثل دوار الشمس، أما جسمه فكان طويل للغاية وعريض المنكبين، وبشرته بيضاء بها حمرة مفرطة ،

هندامه به بعض الرقع ، كلما رأيته يمشي فيجر حذائه بقدمه ، كان مخيف ومريب النظر، لايظهر إلا عندما يجن الليل، ثم يترجل إلي الشارع ، أما الأطفال عندما يرونه يهمون بالفرار إلي بيوتهم مذعورين ، كان يفاجئهم على وهلة ،ثم يقوم بمسك أذانهم من الصرصور وهو يضحك بصوت جعور ومقعر ، أما الكبار يعرفونه تماماً ويعتبرون هذا الأمر فكاهي ، مما جعل الأمهات قبل النوم يقصون حكايته للأطفال وأحيانا يهددونهم به عندما يريدون أن يقفلوا بابهم عليهم ، يبدوا عليه الكبرياء والتحدي فهو يتحدي الشيبة والوهن حيث يصلب طوله دون أي عكاظ ،

أو فرع من شجرة يستند عليه في حركاته اليومية ،

ربما الوحدة والكهل يشعره بالمرارة والعذاب في كيفية معيشته الضنكاء ، لكن القطة السوداء ذات العيون الخضراء تؤنس وحدته، يبدو أنها مخيفة عندما يراها الأطفال في الظلام، اما مسكنه عبارة عن بيت عتيق سقفه من البوص فيتعشش فيه الدبابير ،كيف يقضي حاجته في هذه الظروف الحالكة ، كان بعض أهالي الخير يعطونه بعض المساعدات الإنسانية من مال وربما من أغذية مثل الجبن والخبز والملبس ، ولكنه يكفيه للتعايش ، فهو بطبيعته الزاهد في المعيشة ، فعنده زلعة أو بلاص كلما حصل على مال يقوم بوضعه داخل هذه الزلعة ثم يقوم بربط عنق الزلعة بحبل سميك وقوي بإحكام ، لقد أمتلئت هذه الزلعة حتي العنق، كيف لهذا الكاهل أن يستمر علي منغصات الحياة، ربما أولاده الذين سافروا بعدما وصلوا وتدرجوا في المناصب وأصبح مستواهم التعليمي والمادي عالي، فكانوا يشمئزون من هيئة أبيهم وهندماه المتقطع، 

بينما أمرأة أربعنية تدعي {صفاء } تخدم فى البيوت من أجل لقمة العيش، بعدما طلقها زوجها لعدم الأنجاب بسبب عقمها الذي تأخر سنوات ، كانت وحدانية وفقيرة للغاية تريد ظل رجل يحميها من ألسنة الناس ومن تعب هذا العمل الشاق،  

كانت عائدة من العمل مرهقة فوجدت عم لاشين يملأ قدح من الماء من داخل الصفيحة ثم يقوم بالرش أمام بيته لإخماد التراب ، ولكنه كان مبزرا فأغرق الشارع، أما صفاء تتخطي البؤر المبللة ، وقالت له ايه ياعم لاشين أنت غرقت الشارع هنعدي أزاي ، قال لها ، أجي أشيلك واعديكي ،

عقدت حاجبيها ونظرت له وقالت شوف الراجل مش قادر ياخد نفسه وعايز يشلني ويعديني ياراجل شكلها راحت عليك،

وبأبتسامة مازحة ، أنا لسه شباب وقدر أتجوز واخلف، لكنك أنتي اللي كبرتي وخرفتي،

كان هذا يتوالي عدة مرات ومرات ، وبعد مداعبات ومغازلات ، جاءت الطوبه في المعطوبه ، وبدأت تميل له حتي عرض عليها الزواج، وأغراها بشراء شبكة كبيرة،

وبعد عدة شهور بدأت تتقيأ وبدا لها أنه شعور بالبرد أو المغص، لكن الموضوع زاد عن حده بعد مواصلة هذا التعب لفترات طويلة حتي ذهبت إلى الطبيب ، وبلغها أنها حامل وفي الشهر الثاني، لم تتخيل يوما أنها تحمل بعدما كانت عاقرا وتدور الأيام وتحمل من العجوز ، فهذه هي المفارقة الكبري لديها ، ومرت الأيام السعيدة ليستقبلا مولودهم الأول، كانت حكايات وروايات تروي عن العجوز والعاقرة ، بينما أرادة الله فوق كل شيء ، وقدرته العظيمة عندما يقول للشيء كن فيكون، بعدها أشتدت الأزمة الصحية حيث السعال الكثيف والكحة القوية مع قبضة نفس ، وخمول الجسد والنوم الكثير ، بدأت تضعف حالته الصحية حتي نام ولم يصحي ، ليشهد بوادر وفاته، مات العجوز وترك زوجته وصغيره إلي الدنيا وصوامعها، وفي ذات يوم بعد الظهر ، صفاء وهي تبعثر في الأشياء فوجدت هذه الزلعة المغطاة بالأتربة والعنكبوت المعشش عليها ، ففكرت في بيعها لأنها لا تمثل لديها أهمية كبيرة، فوجدت صعوبة في حملها أنها ثقيلة للغاية يبدو أنها مليئة بالتراب ، لكنها لم تيأس فحاولت مرة أخري حتي أخرجتها إلي أمام الباب في إنتظار أي بائع روبابيكبا لشراءها ،

وجلست على دكة لتستريح قليلا ،

بينما طفل في السابعة من عمرة وهو يلعب رمي حجر فرتطمت بالزلعة فإذا بها انفلقت وكسرت فخرج منها ورقتين بمائة جنية ، وهي تشم وتلعن الطفل بعبارات نابيه ، ثم هرولت إلي الزلعة لتعرف ما أمر هذه الورقتين من المال ، لقد ذهلت فجمعت الزلعة بين ذراعيها واحتضانتها ثم جرجرتها ودخلت وبعثرت مابداخلها فوجدت نقود كثيرة تتعدي الملايين ، وعاشت بعدها حياة رغدة هي وصغيرها.

العجوز والعاقر

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار