مقالات

العشرة الغالية لا يعرف قيمتها إلا الأصيل


هنا نابل/ الجمهورية التونسية

العشرة الغالية لا يعرف قيمتها إلا الأصيل

بقلم المعز غني
في زمن تتغير فيه الوجوه وتختلط فيه القيم ، تبقى ” العِشرة ” الطيبة كنزًا لا يُقدَّر بثمن .
هي تلك الأيام والسنين التي جمعتنا بمن أحببنا ورافقونا في دروب الحياة ، بحلوها ومرّها ، وهي الذكريات التي نسجناها معًا خيطًا خيطًا من المودّة والوفاء لكنها ويا للأسف لا يعرف قيمتها إلا من كان أصيلاً.
” العِشرة ” لا تُقاس بعدد السنين ، بل بعمق المشاعر وصدق النوايا. هي تلك اللحظات التي وقف فيها صديق بجانبك في شدتك ، أو حين مسح أحدهم دمعتك دون أن تُطلب منه ، أو حين حفظ غيبتك في مجلسٍ غاب عنه الضمير.
الأصيل لا يبيع العِشرة ، لا يخون الصحبة ، ولا يُبدّل مواقفه حسب المصالح.
أما من كان ناكر الأصل وناكر المعروف ، فتراه ينسى المعروف ، ويتنكر للأيام التي قضيناها معًا ، وكأن شيئًا لم يكن.
يرحل بلا وداع ، ويطعن بلا سبب ، وكأن المودّة كانت عبئًا لا يحتمل.
هؤلاء لا يعرفون ما تعنيه كلمة ” عِشرة “، لأنهم لم يتذوقوا طعم الوفاء ولم يختبروا صدق الإنتماء .
العِشرة الغالية تُظهر معادن الناس ، وتمتحن القلوب ، وتُفرز الأصالة من الزيف.
فالنحافظ على من عرف قيمتها ، وإبتعد عن من رأى فيها عبورًا مؤقتًا ، فالحياة قصيرة ولا تستحق أن نهدرها مع من لا يقدّر ولا يحفظ.
العِشرة ليست مجرّد وقتٍ نقضيه مع الآخرين ، بل هي وشائج تُنسج من الوفاء ، وتُروى بماء الصدق ، وتُزهر في أرض النفوس الطيبة.
هي ذاكرة القلب ، ودفء الروح ، وسند العمر حين تعصف رياح الدنيا ، لكنها كالجواهر النفيسة ، لا يقدّرها إلا من كان من معدن أصيل.
الأصيل لا ينسى مَن شاركه الضيق قبل الفرج ، ولا مَن بسط له صدره يوم ضاقت به الدنيا لا ينكث العهد ، ولا يبدّل الودّ بالمصلحة ويظل وفيًا للعِشرة ، حتى وإن إبتعدت المسافات وتبدلت الأحوال.
فالأصيل لا تهزه العواصف ، ولا تغريه رياح المصالح ، لأنه يعرف أن العِشرة الطيبة وطن ، ومن يخون الوطن لا أصل له.
أما مَن خلا من الأصالة ، فهو كظلّ عابر ، لا يترك أثرًا يبيعك عند أول منعطف ، وينكر معروفك عند أول اختلاف يقيس العلاقات بميزان النفع ، لا الوفاء ويُنسى كما تُنسى أوراق الخريف في مهبّ الريح.

العِشرة إمتحان النفوس ، تكشف الطيب من الخبيث ، والثابت من المتلوّن.
فإن رزقك الله صحبة أصيلة تحفظ الودّ وتحترم العِشرة ، فتمسّك بها فإنها في هذا الزمن أثمن من الذهب وإن إبتُليت بناكر الأصل ، فامضِ في طريقك ، فالأصيل لا يليق به إلا الرفيق النبيل.

في النهاية ، تبقى العِشرة مرآة القلب لا تعكس إلا صدق من عاشها. ولن يعرف قدرها إلا قلبٌ طاهر ، ونفسٌ تأبى الخيانة ، ووجدانٌ لا ينسى من كان له يومًا ظلًا وسندًا.
وتبقى ” العِشرة الغالية ” ميراث القلوب الأصيلة ، ومفخرة الأيام الصافية.
لا يعرف قيمتها إلا من كان نقيًّا ، وفيًّا ، صادقًا في حبه ورفقته … أما غير الأصيل ، فلن يرى فيها إلا عبورًا عابرًا في كتاب أنانيته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى