مقالات

العشق الملعون

جريدة موطني

العشق الملعون
محمود سعيدبرغش

العشق الملعون
في قريةٍ نائية، وسط الجبال التي يلفّها الضباب، وُلدت حكاية عشقٍ ملعون لم يعرف لها الزمان مثيلًا. كانت “ليلى” ابنة الشيخ الجليل في القرية، شابةً فاتنةً كالقمر، أما “سليم”، فقد كان شابًا بسيطًا، يعمل في الحقول، لكنه امتلك قلبًا لا يخشى الحبّ ولا يتراجع أمام العوائق.

منذ أن التقت عيونهما لأول مرة، نشأت بينهما قصة حبٍّ خالدة، لكن هذا العشق كان محرّمًا، ليس فقط بسبب الفارق الاجتماعي بينهما، بل لأن لعنةً قديمةً قيل إنها تُصيب كل من يحاول كسر تقاليد هذه الأرض.

حاول سليم أن يطلب يد ليلى، لكن والدها هدّده بالطرد من القرية، وقال له: “هذه الأرض ملعونة على من يحاول كسر قوانينها، ارحل قبل أن تلاقي مصير من سبقوك.” لكن سليم لم يؤمن باللعنات، ولم يخف من غضب والدها، فقرر الهروب مع ليلى تحت جنح الظلام، متذكرًا قول الله تعالى:

> “وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” (الفرقان: 74).

كان مؤمنًا أن الحب الذي جمع بينه وبين ليلى طاهرٌ، ولا يمكن أن يكون ملعونًا.

في تلك الليلة المشؤومة، كان القمر مكتملاً، وكأن السماء تحذّرهما من المصير الذي ينتظرهما. ركبا حصانًا واتجها نحو الغابة، لكن فجأة، دوّى صوت رعدٍ مخيف، وانشقت الأرض تحت أقدامهما، ليجد سليم نفسه يسقط في ظلامٍ لا نهائي، بينما صرخت ليلى بحرقة، وهي تراه يختفي أمامها.

في اليوم التالي، وجدوا ليلى وحيدة عند أطراف القرية، تائهة لا تتكلم، وعيناها مليئتان بالفزع. أما سليم، فلم يُعثر له على أثرٍ، وكأن الأرض قد ابتلعته حقًا.

ومنذ ذلك اليوم، ظلّت ليلى تجلس عند حافة الغابة، تهمس باسمه كل ليلة، حتى ماتت هناك بعد سنوات، وجسدها متكوّر كما لو كانت تحتضن ذكراه. ويُقال إن من يمر بالغابة ليلاً، يسمع صوتًا حزينًا يهمس: “سليم…” وكأن العشق الملعون ما زال حيًا بين الأشجار.

العشق الملعون – النهاية

عندما سقط سليم في الظلام، ظن الجميع أنه هلك، لكن الحقيقة كانت مختلفة. فقد وجد نفسه في نفقٍ ضيقٍ، انزلق داخله حتى وصل إلى مجرى مائي تحت الأرض، فحمله التيار بعيدًا عن القرية. بعد أيامٍ من الضياع، تمكن من الخروج إلى قرية أخرى، مصابًا لكن حيًا.

أما ليلى، فقد فقدت النطق من الصدمة، لكنها لم تفقد الأمل. بقيت تنتظر عودة سليم، رغم أن الجميع أخبروها أنه قد مات. كانت تتذكر دائمًا قول النبي ﷺ:

> “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ” (رواه البخاري).

وبعد سنواتٍ من الانتظار، ظهر رجلٌ غريب في القرية، منهكًا لكنه يحمل في عينيه نفس العشق القديم. كان سليم، عاد أخيرًا بعد أن قضى سنوات في البحث عن طريق العودة.

عندما رآها، ركض نحوها، ونطق باسمها لأول مرة منذ سنوات، وحينها فقط، انهمرت دموعها وعادت إليها قدرتها على الكلام. تحدّيا كل شيء، وقرّرا الهروب مرة أخرى، لكن هذه المرة لم تكن لعنةٌ ولا خوفٌ ليوقفهما، فقد علما أن ما يربطهما ليس خطيئةً، بل حبٌّ شرعه الله في إطار الزواج.

غادرا القرية إلى الأبد، وبدآ حياتهما من جديد في مكانٍ لا يحكمه الماضي، حيث لم يكن الحبّ جريمة، ولم يكن العشق ملعونًا. وكانا يتلوان في كل صباح قول الله

العشق الملعون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى